معركة أنقرة

معركة بين الدولة العثمانية والدولة التيمورية تسببت في توقف الدولة العثمانية أحد عشر عاما

معركة أنقرة (بالتركية: Ankara Muharebesi)‏، وقعت بين الدولة العثمانية والدولة التيمورية في 20 أو 28 يوليو 1402م وفقًا لمصادر مختلفة، وهي أكبر معارك القرون الوسطى من حيث حجم الجيشين والنتائج. جرت أحداث المعركة في سهل چوبوك (بالتركية: Çubuk Ovası)‏ إلى الشمال الشرقي من أنقرة بين قوات القائد التتري تيمورلنك الفاتح التركي المغولي الذي أسس الإمبراطورية التيمورية، وبايزيد الأول سلطان الدولة العثمانية. انتصر تيمورلنك وأسر السلطان بايزيد الأول الذي توفي بعد فترة قصيرة، فدخلت من بعده الدولة العثمانية فترة عاصفة من 20 يوليو 1402م مدة أحد عشر عامًا من الحرب الأهلية والافتقار إلى النظام، تُعرف باسم "عهد الفترة العثماني" التي كادت أن تقضي على استمرار الدولة العثمانية، حيث استقلّ بعض أبناء السلطان بايزيد الأول ببعض أراضي الدولة العثمانية وانفصلوا بها وسط تجاذبات سياسية ومكائد، وتوقفت الفتوحات العثمانية إلى أن أعاد السلطان محمد الأول ابن السلطان بايزيد الأول توحيد الدولة العثمانية مرة أخرى في 5 يوليو 1413م [5][6][7]

معركة أنقرة
جزء من غزوات تيمورلنك
معركة أنقرة، تصوير مغولي
معلومات عامة
التاريخ20 يوليو 1402م
البلد تركيا  تعديل قيمة خاصية (P17) في ويكي بيانات
الموقعسهل چوبوك بالقرب من أنقرة
40°09′N 32°57′E / 40.15°N 32.95°E / 40.15; 32.95   تعديل قيمة خاصية (P625) في ويكي بيانات
النتيجةانتصار تيمورلنك
المتحاربون
الدولة العثمانية

- إمارة كاستريوتي الألبانية
- إمارة صربيا الموراڤية
- مقاطعة برانكوڤيتش
- إمارات الأناضول
- التتار السود(1)

الدولة التيمورية

- آق قويونلو
- إمارة كرمايان

القادة
بايزيد الأول  (أ.ح)

سليمان چلبي
محمد چلبي
موسى چلبي  (أ.ح)
مصطفى چلبي  (أ.ح)
قره تيمورطاش پاشا  (أ.ح)
ستيفان لازاريڤيتش
فوك لازايڤيتش الصربي
جُريج برانكوڤيتش
يوحنا كاستريوتي
كوجا زكريا الألباني
ديميتري يونيما الألباني

تيمورلنك

شاه رخ
سلطان محمود خان (جغتاي)
خليل سلطان
ميران شاه
سلطان حسين تايتشيود
محمد سلطان ميرزا
جيهان شاه ميرزا
پير محمد بن جهانكير
قره يولوق عثمان بك[1]
يعقوب الثاني الكرماياني [2]

القوة
85,000[3]-120,000[4]140,000[3]
الخسائر
عدة آلافعدة آلاف
خريطة

أراد تيمورلنك تسوية قضية الأناضول التي كانت تمثل خطرًا كبيرًا عليه، قبل أن يتوجه إلى الشرق بسبب وفاة الإمبراطور الصيني هناك. تلقى تيمورلنك تعزيزات عسكرية من قواته الموجودة في آسيا الوسطى، وأرسل مبعوثاً من تبريز في 13 مارس 1402م إلى السلطان بايزيد ببعض المطالب التي يصعب قبولها، من أجل وضع مسؤولية الحرب على السلطان بايزيد حين يرفض تلك المطالب. كان من بين طلبات تيمورلنك: عودة قلعة كِماخ إلى مُطّهَّرْتَن حاكم إرزنجان، وإرجاع أراضي أمراء الأناضول التي فتحها السلطان بايزيد وضمها للدولة العثمانية إلى أولئك الأمراء وكانت تلك الفتوحات قد تمت مبكرا في أعوام 1390م/1391م، وقبول القبعة المخروطية والحزام الذي سيرسله إليه أحد الأمراء كعلامة على خضوع السلطان بايزيد وإعلان تبعيته إلى تيمورلنك، وتسليم قره يوسف حاكم قره قويونلو وعائلته إلى تيمورلنك. لم يقبل السلطان بايزيد أيًا من هذه الطلبات وأرسل سفراءه العثمانيون في وقت لاحق إلى تيمورلنك بخطاب مُهين، لا يتوافق مع الممارسات الدبلوماسية. بعد أن قرأ تيمورلنك الخطاب تحدث مع السفراء محذراً: «النصيحة التي أُقدمها لبايزيد لا جدوى منها وأن على بايزيد، الذي لم يفِ بمطالبه، أن ينتظرني بصبر وأن يكون مستعدًا لانتقامي منه»، ولم يتخل تيمورلنك عن مطالبه السابقة التي أرسلها إلى السلطان بايزيد، وعندما علم أن بايزيد قد تحرك بجيشه، قرر تيمورلنك القتال فجمع كل جيوشه واتخذ إجراءاته لغزو الأناضول.[8]

تعددت الخيانات في الجيش العثماني أثناء المعركة، وتبديل الولاءات لصالح تيمورلنك مع مغادرة قوات عثمانية ساحة المعركة لإنقاذ ما تبقى من الجيش، فحدث أن غادر كلا من الصدر الأعظم علي پاشا الچاندارلي وأغا الإنكشارية «حسن آغا» الجيش العثماني في وسط المعركة مع قواتهما بدون صدور أوامر لهما، بعدما رأوا الغلبة ظاهرة للجيش المغولي وتعداده. وغادر ساحة المعركة أيضاً أبناء السلطان بايزيد: سليمان چلبي ومحمد چلبي وعيسى چلبي مع قواتهم.

هذه الهزيمة وضعت حياة الدولة العثمانية في خطر وأدت إلى تفككها مؤقتًا، واستولت قوات تيمورلنك على مناطق واسعة من الدولة العثمانية التي كانت تتمدد من شواطئ نهر الدانوب إلى أرضروم وحلب. واستولت قوات تيمورلنك على كامل خزينة الدولة العثمانية في العاصمة العثمانية بورصة ودمرت الأرشيفات العثمانية التي كانت تُحفظ فيها حتى ذلك الحين.

تُعَدُّ معركة أنقرة واحدة من أكبر الحروب التي وقعت بين دولتين مسلمتين في التاريخ التركي. انهارت الوحدة التركية التي تأسست بعد صراعات طويلة في الأناضول، وتعطلت حركة الفتوحات الإسلامية ولاسيما محاولات فتح القسطنطينية الذي تأخر قرابة نصف قرن، وعادت الإمارات الأناضولية بعد المعركة إلى تفرقها مرة أخرى بعد وَحدتها، ونهبت الجيوش التيمورية المدن وتعطل النظام الذي وضعه العثمانيون.[8]

بحسب المؤرخ هربرت آدامز غيبونز، فإن معركة أنقرة لم تؤثر في مصير الأمم كما حدث في معارك قوصوه أو نيقوپوليس، إذ لم تغير مسار التاريخ بشكل كبير. [9][10]

قادة المعركة

تيمورلنك

تيمورلنك (9 أبريل 1336م - 17-19 فبراير 1405م) مؤسس الإمبراطورية التيمورية في أفغانستان الحديثة وإيران وآسيا الوسطى وما حولها، وأول حاكم من السلالة التيمورية.[11] امتدت امبراطوريته من الهند إلى الأناضول.[8] ترأس الدولة التيمورية التركية المنغولية عام 1370م، فوحَّدَ جميع القبائل التركية والمغولية المتناثرة في بلاد ما وراء النهر، ثم توجه بجيشه صوب إيران وغزاها واستولى عليها عام 1378م، ثم استولى لاحقًا على أذربيجان والعراق، وهزم خانية القبيلة الذهبية مرتين، في 1391م ثم 1395م. استولى تيمورلنك على شمال الهند التي انضوت تحت سيطرته بحملة الهند عام 1399م، ثم اتجه إلى الغرب واحتل بغداد. شرع تيمورلنك في الحملة الغربية الثالثة، المسماة «حرب السنوات السبع»، بسبب اضطراب الصحة العقلية لابنه ميران شاه، الذي كان قد وَلَّاهُ حُكم أذربيجان، وبسبب التمرد الحاصل هناك بعد إفلات زمام الحكم من ابنه واضطراب البلاد بسببه.

في خلال ثلاثين عامًا، أصبح تيمورلنك سيدًا لأكبر جزء من العالم الإسلامي. ضمت فتوحاته بلاد فارس وأرمينيا والأودية العليا لنهري دجلة والفرات والسهول بين بحر الخزر والبحر الأسود، وروسيا من نهر الفولغا إلى نهر الدون والدنيبر، وبلاد ما بين النهرين، وسواحل المحيط الهندي والخليج الفارسي، وغرب وشمال الهند. [12]

كان تيمورلنك على خلاف مع العثمانيين الذين ادّعوا أنهم أصحاب الأناضول والأسبق إليها.[8]

بايزيد الأول

بايزيد الأول (1361م - 1403م)، انتصر مع والده السلطان مراد الأول نصراً حاسماً على الصليبيين في معركة كوسوڤو في 15 يونيو 1389م، [13] وكان بايزيد يومها قائد ميمنة الجيش العثماني. وبينما كان والده السلطان مراد الأول يتفقد أرض المعركة بعد النصر المبين طلب نبيل صربي أن يلتقي بالسلطان ليشهر إسلامه أمامه، فلمّا قابل السلطان غدر به وطعنهُ بخنجره المسموم فقتله.[14][15][16][17] تولّى الحُكم من بعده فورا ابنه بايزيد الأول وقاد السلطنة العثمانية، فأخضع إمارات الأناضول المتمردة وأخمد التمرد، وحاصر القسطنطينية عام 1391م، ثم هزم التحالف الصليبي الجرّار الذي شكله فرسان من أوروپا الغربية في معركة نيقوپوليس عام 1396م، ثم انتصر في معركة "آق تشاي" (بالتركية: Akçay Muharebesi)‏ ضد القرمانيين في خريف عام 1397م بعد أن تكرر غدرهم باحتلال أراضي العثمانيين الشرقية أثناء انشغالهم بمحاربة الصليبيين في الغرب، ثم انتزع ملاطية من يد المماليك عام 1399م.

سنوات ما قبل المعركة

قبل تصادم العثمانيين مع المغول في معركة أنقرة، كانت التحديات أمام الدولتين مختلفة ومتباينة، حيث حرص السلطان بايزيد على توحيد الأناضول واستقرار البلاد تحت إدارة حُكم قوي موحد مستقر ومقارعة الصليبيين، بينما انشغل المغول بتوحيد القبائل المتناثرة لغزو الدول المجاورة وكسب الغنائم ولم يكن هدف تيمورلنك الرئيسي هو إقامة دولة.

العثمانيون

بعد مقتل السلطان مُراد الأول والد السلطان يلدرم بايزيد الأول غدرا بنهاية معركة قوصوه الأولى في 15 يونيو 1389 / 20 جمادى الآخرة 791 هـ ضد الصليبيين وانتصاره عليهم انتصارا ساحقا، تولى ابنه بايزيد الحكم فورا وبدأ بضم الإمارات الأناضولية إلى أراضيه في غضون عام واحد ليضمن بذلك وحدة الأناضول أولا، ثم قام بعدها بحصار القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية عام 1391م. وفي عام 1396م، هزم الجيش الصليبي بقيادة ملك المجر سيغسموند والمؤلف من فرسان أوروبا الغربية في معركة نيقوبوليس هزيمة ساحقة. وفي العام التالي، ونتيجةً لمعركة آق تشاي (بالتركية: Akçay Muharebesi)‏ التي انتصر فيها السلطان بايزيد على إمارة "قره مان" في خريف عام 1397م، ضم قونية (بالتركية: Konya)‏ ونيغدا (بالتركية: Niğde)‏ وآق سراي (بالتركية: Aksaray)‏ وقرمان (بالتركية: Karaman)‏ وديڤيلي (بالتركية: Develi)‏ في شمال جبال طوروس، التي كانت في أيدي القرمانيين، إلى أملاك الدولة العثمانية. وفي عام 1398م، خضعت سيواس وتوقاد وقيصرية وأماسية أيضًا للحكم العثماني بعد مقتل القاضي برهان الدين حاكم إمارة بنو آرتين الذي كان يسيطر على سيواس وضواحيها ففتحها السلطان بايزيد. [18]

بعد وفاة السلطان المملوكي الظاهر سيف الدين برقوق عام 1399م، استولى بايزيد الأول على ملاطية من المماليك مستغلاًّ صعود الطفل الناصر زين الدين فرج بن برقوق الذي كان عمره 13 عاما إلى الحكم بعد وفاة والده السلطان برقوق.

كما فتح العثمانيون بقيادة السلطان بايزيد قلاع كاخته (بالتركية: Kâhta)‏ وديڤريغي (بالتركية: Divriği)‏ وبيسني (بالتركية: Besni)‏ ودرنده (بالتركية: Darende)‏، التي كانت في يد إمارة بنو ذو القدر (بالتركية: Dulkadiroğulları Beyliği)‏. وبعد هذه الفتوحات وصلت حدود الدولة العثمانية إلى نهر الفرات.

ثم اتجه السلطان بايزيد الأول نحو تنحية السلالات الحاكمة المحلية وإقامة هيكل مركزي محكم.

المغول

توختامش خان، جالس على عرش القبيلة الذهبية.
تمثال حديث لتيمورلنك خان القبيلة الذهبية، يعود لعام 1993م، في طشقند، أوزبكستان. يوجد على قاعدة التمثال اسم الحاكم "الأمير تيمورلنك" وشعاره "القوة في العدالة"، مكتوبًا بأربع لغات: الأوزبكية، الروسية، الإنجليزية، والعربية.

وفي الفترة نفسها، كانت هناك دولة تركية مغولية أخرى في بلاد ما وراء النهر برئاسة تيمورلنك تتوسع في المنطقة.

أصبح تيمورلنك على رأس الدولة في عام 1370م، فقام بتوحيد القبائل التركية والمغولية المتناثرة في المناطق المحيطة بها. وفي عام 1378م، استولى على إيران، ثم تبعها بالاستيلاء على أذربيجان والعراق.

وفي عام 1391م، هزم القبيلة الذهبية بقيادة توختامش خان، في معركة نهر كوندورشا، ضمن سلسلة من الحروب بينهما استمرت تسعة أعوام ما بين عام 1386م إلى عام 1395م. وفي معركة نهر تيريك عام 1395م، هزم مرةً أخرى جيش القبيلة الذهبية وأنهى حكمهم على روسيا.

ثم اتجه تيمورلنك شرقًا واستولى على شمال الهند بأكمله في نهاية حملته الهندية عام 1399م، وبعد هذه الحملة اتجه غربًا مرةً أخرى واستولى على بغداد، فهرب قرة يوسف حاكم قبيلة قره قويونلو إلى الأناضول مع أحمد جلائر سلطان الدولة الجلائرية ولجئا إلى السلطان العثماني بايزيد الأول. وكان والد قره يوسف هو قره محمد توريميش حاكم قره قويونلو الأسبق وصهر السلطان أحمد جلائر.

ونتيجةً لضغوط تيمورلنك، أعلنت الدولة المملوكية في مصر أنها خاضعة لتيمورلنك بالاسم فقط.

وبسبب فشل ابنه ميران شاه الذي عيّنه حاكمًا على أذربيجان في الحفاظ على النظام، وكثرة الشكاوى منه واندلاع الاضطرابات في هذه المنطقة، بدأ تيمورلنك في سبتمبر 1399م بعد حملته الهندية، حملته الثالثة في الغرب والمعروفة أيضًا باسم "حرب السنوات السبع"، واستولى على جورجيا وأرمينيا وأذربيجان.

أمضى تيمورلنك شتاء عام 1399م-1400م في قره باغ الواقعة شرق أرمينيا وجنوب غرب أذربيجان، وعندما وصل إلى باسينلر لجأ إليه أمراء الأناضول القدامى وطالبوه باستعادة أراضيهم التي استولى عليها السلطان بايزيد، ومنهم:

  • يعقوب بك الثاني بن سليمان شاه بن محمد (بالتركية: II. Yakub Bey)‏ والمعروف أيضا باسم يعقوب چلبى الذي كان يحكم إمارة كرمايان من 1387م إلى 1390م حين ضمتها الدولة العثمانية، ثم عاد لحكمها لاحقا من بعد معركة أنقرة من 1402م إلى 1411م، ثم من 1414م إلى وفاته 1429م.
  • إلياس بك بن محمد بن إبراهيم (بالتركية: Menteşeoğlu İlyas Bey)‏ الذي أراد استرداد ملك أبيه الذي فقد إمارة بنو منتشا عام 1390م حين ضمها العثمانيون، وتحقق لإلياس بعد معركة أنقرة حكم إمارة بنو منتشا من 1403م إلى 1424م.
  • عيسى بك بن خضر بن محمد (بالتركية: Hızıroğlu İsa Bey)‏ الذي حكم إمارة بنو آيدين من 1360م إلى 1390م حين ضمتها الدولة العثمانية، وقد عاد حُكم الإمارة إلى ابنه عمر بن عيسى عام 1402م بعد معركة أنقرة.
  • خِضر شاه (بالتركية: Hızır Şah)‏ الذي حكم إمارة بنو صاروخان من 1388م إلى 1391م حين ضمها العثمانيون، ثم حكمها بعد معركة أنقرة من 1402م حتى مقتله عام 1410م.

كان تيمورلنك الذي هيمن على إيران يهدف إلى إقامة سيادته الخاصة في الأناضول باعتباره وريث الدولة السلجوقية والدولة الإلخانية، ولم يكن هدف تيمورلنك الرئيسي هو إقامة دولة جديدة ودائمة، بل كان هدفه الأساسي هو كسب الغنائم والشهرة والرد على الإهانات والتحديات التي كانت تُوجَّه ضده، كما كان يهدف إلى إخضاع الدولة العثمانية لسيطرته.

وقبل معركة أنقرة، هزم تيمورلنك القبيلة الذهبية في الشمال ودولة المماليك المصرية في الجنوب، وبذلك أصبحت الدولة العثمانية وحيدةً بعد هزيمة الدول التي كان من المحتمل أن تتعاون معها.

مقدمات المعركة

رحل تيمورلنك عن بغداد بعد أن دمرها وأمعن السلب والنهب فيها، وسار حتى نزل «قره باغ» فجعلها دكاً خراباً ثم قضى فيها شتاء 1399م-1400م، ومن بعدها انتقل إلى پاسنلر (بالتركية: Pasinler)‏، حيث لجأ إليه هناك أمراء الأناضول وطالبوه بمعاونتهم على استعادة الأراضي التي استولى عليها السلطان بايزيد الأول وضمها إلى الدولة العثمانية.

استمال تيمورلنك كلا من «قره يولوك عثمان باي» (بالتركية: Kara Yülük Osman Bey)‏ حاكم قبيلة «آق قويونلو» (قبيلة ذوي الأغنام البيضاء) التركمانية، و«مُطّهَرْتَن» حاكم إمارة إرزنجان، بوعودٍ سياسية من أجل تمردهم والوقوف إلى جانبه لإضعاف الدولة العثمانية. وفي المقابل، لجأ إلى السلطان بايزيد الأول كلا من «قره يوسف بن محمد براني» حاكم قبيلة قره قويونلو (قبيلة ذوي الأغنام السوداء) التركمانية وحليفه ونسيبه السلطان «غياث الدين أحمد بن أويس جلائر» سلطان الجلائريين، هرباً من توغل تيمورلنك.

انحياز آق قويونلو وإرزنجان لتيمورلنك

بيرق إمارة "بنو آرتين". ضمّ السلطان بايزيد الأول أراضي إمارة بنو آرتين إلى الدولة العثمانية بعد وفاة سلطانها القاضي أحمد برهان الدين.
خريطة تبيّن موقع إمارة بنو آرتين بشرق الأناضول.

خضعت مدينة إرزنجان والمناطق المحيطة بها إلى سلطة إمارة بنو آرتين (بالتركية: Eretna Beyliği)‏ وأصبحت إحدى ممتلكات الإمارة وضمن حدودها، وكانت تحت حكم «آخي عَينا باي» (بالتركية: Ahi Ayna Bey)‏ ثم پير حُسَيْن (بالتركية: Pir Hüseyin)‏ على التوالي. توفي الحاكم المُعَيَّن على المدينة پير حسين عام 1379م، فسيطر مُطّهَّرْتَن (بالتركية: Mutahharten)‏ من بعده على إرزنجان وضواحيها واستقل عن إمارة بنو آرتين وسكّ النقود باسمه وألقى الخُطَب.[19]

على الرغم من أن أصول مُطّهَّرْتَن مجهولة إلا أنه من المرجح أن أصوله تعود إلى أتراك الأوغوز ولعله كان أحد أقرباء أمير بنو آرتين.[20][21] وكان أتراك الأويغور يعملون كمسئولين حكوميين (بيروقراط) في الإمارات المنغولية. يُعرف مُطّهَّرْتَن أيضا باسم «تراطا» أو «طاهيرتِن».[22]

أعلن مُطّهَّرْتَن سنة 1380م-1381م استقلال إرزنجان عن إمارة بني آرتين خلال فترة خلو عرش بنو آرتين.[23] وجد مُطّهَّرْتَن نفسه في وضع حرج بعد أن أُعلن القاضي برهان الدين أميراً على إمارة بنو آرتين فأصبح محاطاً بالعديد من الأعداء، وبالإضافة إلى القاضي برهان الدين، كان تتربص به أيضا إمبراطورية طرابزون ومملكة جورجيا وسلطنة آق قويونلو، فاعتمد سياسة المكائد لحماية استقلاليته.[19]

واجه مُطّهَّرْتَن أمير إرزنجان خطرا جديدا في عام 1387م، إذ أسس تيمورلنك المغولي الذي احتل غرب إيران معسكره في قره باغ وبدأ في التحضير لحملة عسكرية استكشافية إلى شرق الأناضول. عندما وصلت الأخبار تفيد بأن تيمورلنك قد وصل إلى أرضروم، أرسل الأمير مُطّهَّرْتَن عائلته إلى صديقه القاضي مالك أحمد بك في شبين قره‌ حصار (بالتركية: Şarkikarahisar أو Şebinkarahisar)‏. أرسل تيمورلنك رسولا إلى إرزنجان وطلب من مُطّهَّرْتَن طاعته فأجابه على الفور بأنه سيطيعه. استولى تيمورلنك على أخلاط (بالتركية: Ahlat)‏ وهبط على جانبي بحيرة ڤان.[19]

استمال تيمورلنك كلا من «قره يولوك عثمان باي» (؟ - 1435م)(بالتركية: Kara Yulük Osman Bey)‏ حاكم قبيلة «آق قويونلو» (قبيلة ذوي الأغنام البيضاء) التركمانية (بالتركية: Akkoyunlular)‏، و«مُطّهَرْتَن» حاكم إمارة إرزنجان (حُكم: 1379م-وفاة 1403م)(بالتركية: Mutahharten)‏ الذي كان يواجه الصعوبات بإمارته الصغيرة التي استقل بها عن إمارة بني آرتين، فانحازا له بعد أن قطع على نفسه وعوداً سياسية لهما.[19]

أرسل «مُطّهَّرْتَن» هدايا قيمة إلى تيمورلنك مع مبعوثيه خلال حملة تيمورلنك الغربية، [24] فطلب السلطان بايزيد الأول من «مُطّهَّرْتَن» أن يَخْضَعَ له مرة أخرى وأن يدفع له ضرائبه ويُعيد تبعيته للدولة العثمانية كما كان من قبل. وكان السلطان بايزيد الأول قد ضم أراضي إمارة بنو آرتين إلى الدولة العثمانية بعد وفاة سلطانها القاضي أحمد برهان الدين (1345م-1398م)(بالتركية: Kadı Burhâneddin)‏.

كان مُطّهَّرْتَن يدفع ضرائب إرزنجان للعثمانيين، فلما تحول إلى دفعها لتيمورلنك تحت حكمه في ذلك الوقت، تسبب ذلك في حدوث مزيد من الشقاق بين الحاكمين: مُطّهَّرْتَن والسلطان بايزيد.[8]

خريطة تبين أراضي دولة قره قويونلو والجلائريين عام 1393م، اللتان قد انحازتا إلى السلطان بايزيد الأول عند اجتياح تيمورلنك لأراضيهما. أما بنو آرتين (على الخريطة) وآق قويونلو فلم تصطدما بتيمورلنك بل انحازتا إليه بعد أن قطع على نفسه وعوداً سياسية لهما.

لجوء قره قويونلو والجلائريين إلى بايزيد

بيرق سلطنة الجلائريين. لجأ السلطان «غياث الدين أحمد بن أويس جلائر» سلطان الجلائريين إلى السلطان بايزيد الأول، هرباً من توغل تيمورلنك وسطوته.
خريطة تبيّن موقع سلطنة الجلائريين مبين باللون الأخضر، ومن حولها الإمارات المحيطة بالألوان الأخرى.

وفي المقابل، لجأ إلى السلطان بايزيد الأول كلا من «قره يوسف بن محمد براني» (1356م- 1420م)(بالتركية: Kara Yusuf)‏ حاكم قبيلة قره قويونلو (بالتركية: Karakoyunlular)‏ الذي أنهى تيمورلنك حكمه وحكم حليفه السلطان «غياث الدين أحمد بن أويس جلائر» (؟ - 1410م)(بالتركية: Sultan Ahmed Celâyirî)‏ سلطان الدولة الجلائرية، هرباً من توغل تيمورلنك غرباً وسطوته.

بيرق آق قويونلو(بالتركية: Ak Koyunlu)‏ وهو على شكل جسم خروف أقرن باللون الأبيض على خلفية زرقاء
بيرق قره قويونلو(بالتركية: Kara Koyunlu)‏ وهو على شكل رأس خروف أقرن باللون الأسود على خلفية زرقاء
انحازت آق قويونلو إلى تيمورلنك، بينما انحازت قره قويونلو إلى السلطان بايزيد الأول.

مراسلات تيمورلنك وبايزيد

كتب تيمورلنك إلى بايزيد الأول أن يُخرج السلطان أحمد بن أويس جلائر وقره يوسف من حمايته وإلا قَصَدَهُ بجيشه، فَرَدَّ السلطان بايزيد الأول جوابه بلفظ خشن للغاية وأرسل إليه رسالة مهينة، وللتعبير عن ازدرائه للفاتح التتري، وضع السلطان بايزيد اسمه أولاً بأحرف ذهبية، واسم تيمورلنك تحته بأحرف صغيرة سوداء، وقال أنه يعرف أن هذا القول يدفع تيمورلنك إلى مهاجمه بلاده؛ مما أثار تيمورلنك بشدة. [25]

حذر تيمورلنك بايزيدَ بأنه لم يهاجمه فقط بسبب انشغال السلطان بايزيد بقتال الصليبيين، وأنه يجب على بايزيد أن يعرف حدوده وألاَّ يُجبر نفسه على الحرب. بعث السلطان بايزيد الأول برسالة إلى تيمورلنك؛ ذكر له فيها «أنه كان دائما يريد قتال تيمورلنك وأنه إذا لم يأته تيمورلنك فسوف يذهب إليه بنفسه».

محاولات الصلح

قلعة كِماخ لحاكمها القديم مطهرتن أمير إرزنجان. كانت محور صراع بين تيمورلنك والسلطان بايزيد. (صورة حديثة، ديسمبر 2016).
في الصورة: قبر الصدر الأعظم جندارلي على پاشا (إلى اليسار)، مديرية إزنيق، محافظة بورصة، تركيا. حاول الصدر الأعظم چاندارلي علي پاشا إقناع السلطان بايزيد بعقد الصلح مع تيمورلنك. ولهذا السبب، أرسل السلطان بايزيد مبعوثًا إلى تيمورلنك مرةً أخرى مُصرِّحًا بأنَّه لا يوجد سبب للاضطرابات التي كانت بينهما، وأنَّه مثل جميع أسلافه في حالة حربٍ مع الكُفَّار، وعرض عليه عقد معاهدة.

وعلى إثر هذه التطورات، حاول مسؤولو الدولة العثمانية وكبار الشخصيات، ولا سيما الصدر الأعظم چاندارلي علي پاشا (بالتركية: Çandarlı Ali Paşa)‏ إقناع السلطان يلدرم بايزيد بعقد الصلح والسلام مع تيمورلنك. ولهذا السبب، أرسل السلطان بايزيد مبعوثًا إلى تيمورلنك مرةً أخرى وعرض عليه الاتفاق مُصرِّحًا بأنَّه لا يوجد سبب للاضطرابات والقلاقل بينهما، وأنَّه (أي السلطان بايزيد) مثل جميع أسلافه في حالة حربٍ مع الكُفَّار، وعرض عليه عقد معاهدة.

أمَّا تيمورلنك فقد رد عرض السلطان بايزيد بأن طلب منه أن يُسلِّم قلعة كِماخ إلى الحاكم القديم مطهرتن وأن يُطلق سراح أسرته، وأن يُودِع أحد أمرائه كرهينةً عند تيمورلنك، وأن يَخضَعَ له بقبول القبعة المخروطية والحزام الذي سيرسله إليه ليلبسهما، وأن يُعيد أراضي أمراء الأقاليم التي فتحها العثمانيون إليهم، وأن يُسلِّم أسرة قره يوسف، وذكر أنه إذا قَبِلَ ذلك فسيكون بينهما علاقة أبوية وسيُساعده على الكفار. وأوضح تيمورلنك أن جيشه سوف يقضي الشتاء في مكانه كما هو في قره باغ، ولكنه سيأتي في الربيع إلى حدود الأناضول لينتظر رد السلطان بايزيد. وأعاد إرسال مبعوثي السلطان بايزيد مع مبعوثيه الخاصين، وأصر تيمورلنك على تسليم قره يوسف إليه حيًّا أو ميتًا.

أكَّدَ السلطان بايزيد على مبعوثي تيمورلنك أن قره يوسف قد رحل بالفعل من عنده، وأنه (أي قره يوسف) حتى ولو عاد ولجأ إليه مرة أخرى، فلن يقوم بتسليمه أبداً إلى تيمورلنك.

ورأى تيمورلنك أنه لا يمكنه الانتصار على السلطان بايزيد بالقوات التي كانت لديه، فخطط لتعزيز قواته بمدد من آسيا الوسطى، ثم الانتقال إلى الأناضول بعد قضاء الشتاء في قره باغ.

تطور المراسلات إلى عداء

توجه تيمورلنك غربا وغزا سيواس الواقعة شرق أنقرة، فظن السلطان بايزيد أنه يريد غزو غرب الأناضول، فتحرك بجيشه إلى قيصرية ليسد عليه الطريق، وانتظره هناك، إلا أن تيمورلنك بعد غزو سيواس توجه إلى سوريا.
قضى تيمورلنك الشتاء في قره باغ ولم يتوغل في الأناضول، فتحرك السلطان بايزيد من قيصرية واستعاد إرزينجان وقلعة كماخ من مُطّهَرْتَن ليعاقبه على انحيازه لتيمورلنك ويسترد تلك المناطق للدولة العثمانية.

وبعد هذه المشادة، عندما رأى تيمورلنك أن السلطان بايزيد لن يتفاوض معه، توجه بجيشه فوراً متجها غرباً إلى سيواس الواقعة بالأناضول شرقيّ أنقرة بحوالي 350 كيلومتر (انظر الخارطة). كان السلطان بايزيد قد كلف ابنه سليمان چلبي في عام 1399م بقيادة فتوحات نحو الشرق وأردف معه عدد من أفضل قادته، وكانت سيواس قاعدة العمليات. عندما وصل تيمورلنك إلى سيواس، أرسل سليمان چلبي نداءً إلى أبيه السلطان بايزيد الذي كان في ثيساليا باليونان، وحاول سليمان چلبي بجهود محمومة تجهيز دفاعات سيواس التي كانت جدرانها القوية قد بناها بشكل ممتاز السلطان السلجوقي علاء الدين كايقباد قبل مائة وستين سنة. ثم خرج بجرأة لمواجهة التتار، ولكن عندما أدرك أن عشرين ألفاً من فرسانه لا يمكنهم الصمود أمام تيمورلنك، انسحب إلى الشمال الغربي تاركاً المدينة لمصيرها. استغرق تيمورلنك ثمانية عشر يوماً من الهجمات المتواصلة لإضعاف دفاعات سيواس. هدم تيمورلنك جدران القلعة ودفع تحتها أكوام مغطاة بالقار وأشعل النار فيها. وبعد سقوط عدة أبراج، وافقت الحامية العسكرية بالقلعة على الاستسلام بناءً على وعد تيمورلنك بأن تُحفظ أرواحهم وتُصان المدينة بالكامل. أوفى تيمورلنك بهذا الوعد جزئياً، إذ سُمح لهم بدفع فدية من أجل حريتهم. ومع ذلك، تم نهب المدينة وحرقها، وبيع سكانها المسيحيون كعبيد، وقُتل 4000 من الفرسان الأرمن، الذين كانوا أشجع المدافعين وأكثرهم عنادًا. [26]

وبعد إحراق وتدمير سيواس في أغسطس 1400م، توجه تيمورلنك جنوبا واستولى على ملاطية وكاختة والأماكن المجاورة لها ثم عنتاب، ثم خرج من الأناضول وانتقل جنوبا إلى سوريا فغزا حلب ودمشق، ثم ماردين وبغداد للمرة الثالثة، ثم ذهب إلى تبريز وقضى الشتاء في قره باغ. [26]

تيمورلنك ينسحب من الأناضول إلى سوريا

كان مجئ تيمورلنك لسيواس ليس بغرض الغزو، وإنما لإظهار القوة أمام السلطان بايزيد لكي يرتدع ويذعن. ولذلك لم يواصل تيمورلنك مسيرته في الأناضول نحو الغرب حيث توجد الدولة العثمانية، بل انسحب إلى نهر الفرات، وقضى الثمانية عشر شهرًا التالية في الحملات الشهيرة التي انتهت بتدمير دمشق وبغداد. [26]

وعلى الناحية المقابلة، ظنّ بايزيد أن تيمورلنك، الذي استولى على سيواس شرق أنقرة سوف يتوغل في وسط وغرب الأناضول، فانتقل غرباً إلى قيصرية بوسط الأناضول ليقطع عليه الطريق (انظر الخارطة) وظل هناك منتظراً قدوم تيمورلنك بجيشه ليلاقيه، ولكن تيمورلنك بعد أن استولى على سيواس، انتقل جنوباَ إلى الجانب السوري ولم يستمر غرباً في الأناضول كما تقدم.

تيمور يتخلى عن تحفظاته الدينية

كان تيمورلنك معجباً بالسلطان بايزيد كبطل فاتح باسم الإسلام ضد الكفار، وتردد في شن حرب ضد أمة من نفس دينه.

تلاشى إعجاب تيمورلنك خلال غزواته في الشام والعراق، وكان حرق دمشق دليلاً على عدم مبالاته الدينية، كما استعداده للتعامل مع أوروپا المسيحية دليلاً آخر على ذلك على تغير تحفظاته الدينية. [10]

كان هناك أيضاً تبادل للهدايا والسفارات بين تيمورلنك وجمهورية جنوة المسيحية. أشار السفير الجنوي على تيمورلنك بضرورة تدمير السلطان بايزيد. عندما ذهبت السفارة التترية إلى پيرا (بالتركية: Pera)‏ في القسطنطينية واسمها الحالي باي أوغلو (بالتركية: Beyoğlu)‏ في تركيا الحديثة وهي إحدى ضواحي حي غلطة، تم رفع علم تيمورلنك تكريماً له من برج غلطة الذي بناه الجنويون في عام 1348م. حتى ملك قشتالة البعيد كان لديه سفيران في معسكر تيمورلنك، وكانا يتمتعان بامتياز مشاهدة معركة أنقرة من الجانب التتري. [27]

عودة مراسلات تيمورلنك وبايزيد

أثناء حملته العسكرية في سوريا، أرسل تيمورلنك إلى السلطان بايزيد يُحصى له نجاحاته الحربية خلال الحملة السورية ويطلب منه أن يُطيعه. أما السلطان بايزيد فكان يتحدَّث عن نسبه وتفوقه ويُعلن أنه مستعد للعدو الذي سيواجهه. وردًا على هذا الجواب، قال تيمورلنك لبايزيد أنَّ الوحدة بينهما ستزيد من قوَّة الإسلام أمام الأعداء، وأراد أن يأخذ بايزيد تحت نفوذه، فطلب منه أن يُرسل إليه أحد أبنائه (أبناء السلطان بايزيد) كرهينة عند تيمورلنك تضمن ولاء السلطان بايزيد له.

ولكن من جهةٍ أخرى، عندما علم السلطان بايزيد بأن تيمورلنك قد دخل سوريا وقضى شتاء 1400م-1401م حول دمشق، تقدم بايزيد بالقوات التي جمعها من الروملي والأناضول واستعاد إرزينجان وكِماخ (بالتركية: Kemah)‏ من مُطّهَرْتَن ليعاقبه على انحيازه لتيمورلنك ويسترد تلك المناطق للدولة العثمانية، كما احتجز عائلة مُطّهَرْتَن كرهائن وأرسلهم إلى العاصمة العثمانية بورصة. ولكن السلطان بايزيد أعاد إرزينجان وكِماخ إلى مطهرتن بشرط أن يعترف بسيادته، إلا أنه لم يُعد قلعة كِماخ ووضع حراسًا عليها. تسببت هذه المعاملة تجاه مطهرتن، الذي كان من رعايا تيمورلنك، في انفصال كامل بين السلطان بايزيد وتيمورلنك، فأرسل تيمورلنك إلى بايزيد يطالبه بالآتي:

  • تسليم قلعة كِماخ ومحيطها إلى تيمورلنك.
  • رهن أحد أبناء السلطان بايزيد عند تيمورلنك لضمان العهد.
  • إعلان السلطان بايزيد خضوعه لتيمورلنك.
  • إعادة أراضي إمارات الأناضول لأمرائها السابقين قبل الفتح العثماني لها.
  • وتسليم قره يوسف حاكم قره قويونلو وعائلته إلى تيمورلنك.

رفض بايزيد هذه الطلبات بشدة، فتوجه تيمورلنك إلى قلعة كِماخ واستولى عليها مرة أخرى عام 1402م.

مجلس حرب تيمورلنك

تمثال حديث لوجه تيمورلنك، بعد إعادة بناء وجهه بواسطة علوم الطب الشرعي عام 1941م.عارض العديد من أمراء تيمورلنك قتال العثمانيين، ولكن في هذا الوقت تقريبًا وُلد له حفيد في سمرقند، كما شوهد مُذنبٌ يتحرك من الغرب إلى الشرق في السماء، ففسَّرها له المُنجمون على أنها علامة على انتصاره في الغرب، فعزم تيمورلنك على محاربة العثمانيين.

بعد قضاء فصل الشتاء في قره باغ، عقد تيمورلنك مجلسه في مارس/آذار 1402م وطلب رأي أمرائه. عارض العديد من أمرائه نشوب حربٍ بين دولتين إسلامية وتركية، ولكن في هذا الوقت تقريبًا وُلد ابنٌ لشاه رخ بن تيمورلنك في سمرقند، وشوهد مذنبٌ يتحرك من الغرب إلى الشرق في السماء، ففسَّر مُنجمو تيمورلنك ذلك على أنه علامة على انتصار تيمورلنك في الغرب، فزادت هذه الأسباب مجتمعة من عزم تيمورلنك على قتال العثمانيين، فأرسل تيمورلنك يطلب من السلطان بايزيد مرةً أخرى أن يُسلِّم له أسرة قره يوسف ويبرم الصلح بينهما، وأن يُعيد إليه قلعة كِماخ، ووعده بأن يساعده في حروبه مع الصليبيين إذا ما تمَّ له ذلك.

انتظر تيمورلنك في منطقة قلعة أڤنيق (بالتركية: Avnik)‏ لمدة شهرين ثم انتقل إلى أرضروم، حيث انضمت إليه القوات العائدة من العراق فحاصر قلعة كِماخ التي طلب من بايزيد تسليمها له. وبعد حصار دام حوالي عشرة أيام، استعاد تيمورلنك قلعة كِماخ وسلمها إلى مطهرتن الحاكم الأسبق لها. وبعد أن تم له الاستيلاء عليها، قرَّر تيمورلنك التحرُّك ضد العثمانيين.

بايزيد يتحدى تيمورلنك برسالة مهينة

بعد استيلاء تيمورلنك على قلعة كِماخ، وصل مبعوثو السلطان بايزيد بهدايا ورسالة، ولكن كمية الهدايا وأسلوب الرسالة أغضبا تيمورلنك، فقد استخدم بايزيد، الذي كانت الإمارات الأناضولية تحت سيطرته وكان واثقًا من نفسه، أسلوبًا مهينًا ومتحديًا في رسالته إلى تيمورلنك، وهو ما لم يكن متوافقًا مع الأعراف الدبلوماسية. فقد وصف تيمورلنك "بالكلب المسعور" واستخدم عبارات "لتكن زوجاتك طالق ثلاثًا " إذا لم تحضر إلى ساحة المعركة بعد استلامك الرسالة، و"لتكن زوجاتي طالق ثلاثًا" إذا لم أحضر أمامك. كما أرسل بايزيد عشر هدايا بدلاً من تسع هدايا كما جرت العادة الدبلوماسية وقتئذ، وكتب اسمه بحروف مذهبة وكبيرة واسم تيمورلنك بحبر صغير وأسود. وبعد قراءة الرسالة قال تيمورلنك: "إنَّ ابن عثمان مجنونٌ أحمق" وقال للمبعوثين بأنَّ "نصيحته لم تُجدِ نفعًا مع بايزيد" وقال لهم: "لقد استوليتُ على قلعة كِماخ دون الحاجة إلى العثمانيين، وبما أنَّ عائلة قره يوسف وقلعة كِماخ لم تُسلَّم لي فيجب أن تكونوا مستعدين لانتقامي بالصبر والشجاعة من الآن فصاعدًا".

بعد ذلك أمر تيمورلنك جيشه بالاستعراض في سيواس حيث كان المبعوثون العثمانيون حاضرين. وبعد هذا الاستعراض الذي استمرَّ من الفجر حتَّى الظهيرة، أظهر تيمورلنك روعة جيشه بإرسال المبعوثين بين صفوف جنوده، ثم أخبر المبعوثين بأنَّه ينوي عقد الصلح مع بايزيد رغم كل ما كان مستاءً منه، واشترط أن تُحضَرَ إليه عائلة مطهرتن وأحد أبناء بايزيد كرهينة، ولكنَّه بدأ الاستعدادات للحرب بعد أن وصلته الأخبار بأنَّ بايزيد قادم بجيشٍ كبير.

حشد وتحرك الجيوش

تحركات الجيش العثماني لمواجهة تيمورلنك

تجهز السلطان بايزيد للخروج بالجيش لمواجهة تيمورلنك، فبدأ بعقد اتفاق عدم اعتداء مع الامبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوجوس، تلاه برفع الحصار العثماني الذي كان السلطان قد ضربه على القسطنطينية منذ عام 1394م وحتى ذلك الحين من عام 1402م، لكي يتفرغ لمقارعة تيمورلنك.[8]

بعد اتخاذ قرار المعركة، أرسل بايزيد مراسيم إلى الأناضول والروملي لجمع الجيش. بالإضافة إلى ذلك، أمر بتجنيد جنود جدد في قوته الحالية لمحاربة جيش تيمورلنك. في أوائل ربيع عام 1402م، توقفت الأنشطة العسكرية العثمانية في البلقان، وبدأ إرسال كل جندي يمكن جمعه من المسيحيين والمسلمين إلى الأناضول على عجل. تجمَّع الجيش العثماني للمعركة في غرب الأناضول بمناطق بورصة وإزنيق وإزميت ليستكمل كافة استعداداته. حشد السلطان بايزيد الأول جيوشه من المسلمين الترك والنصارى الصرب وطوائف التتر في مدينة بورصة العثمانية، فلما تكامل جيشه سار نحو تيمورلنك لمحاربته. [12]

صورة حديثة لجبل يلدز، بمنطقة سيواس حيث سيطرت قوات الجيش العثماني على جميع الطرق التي تمر عبر الجبل وعلى توقاد وأماسيا وعلى جميع الطرق التي تمر عبر جبل أق طاغ، لمنع جيش تيمورلنك من التقدم غربا قادما من سيواس.

كان الجيش العثماني يضم وحدات من الحرس النظامي للسلطان المُسمَّى قابي كولو (حرس باب القصر) (بالتركية: Kapıkulu)‏ ويشمل فيلق مشاة الانكشارية وفرسان سباهية القابي قولو، بالإضافة إلى الوحدات غير نظامية من سلاح الفرسان الثقيل السباهية، والمشاة غير النظاميين، ووحدات المتطوعين من مناطق البلقان، وبالإضافة إلى القوات العثمانية نفسها والإنكشارية والصرب الموثوق بهم بقيادة الحاكم الصربي ستيفان لازاريڤيتش، كان جيش السلطان بايزيد يضم جنودًا من ولايات الأناضول الصغيرة التي كان قد ألغاها قبل عشر سنوات، وبعض وحدات فرسان التتار الذين كانوا في آسيا الصغرى منذ العهد المغولي.

بدأت القوات بالتحرك نحو أنقرة في منتصف شهر يونيو 1402م بطابورين عسكريين. انتبه السلطان بايزيد إلى ضرورة تنفيذ جميع العمليات سريعا على الفور حتى لا يفاجئهم تيمورلنك بهجوم سريع على أي قلعة بجيشه الذي يتكون غالبيته من الجنود الفرسان. وقرب نهاية يونيو 1402م، أنشأ الجيش العثماني معسكرات لجميع قواته حول أنقرة.

وردت معلومات استخباراتية تفيد بأن جيش تيمورلنك لا يزال حول سيواس وسيتحرك عبر توقاد إلى الغرب. استخدم السلطان بايزيد أنقرة كمركز قاعدة وترك ثقل جيشه هناك وتحرك شرقًا، متبعًا الطريق الأوسط، ليلتقي بتيمورلنك. لم يقبل السلطان بايزيد نصيحة الصدر الأعظم چاندارلي علي پاشا ومسؤولي الدولة بالانتظار في أنقرة وخوض المعركة في هذا الموقع. عَبَرَ الجيش العثماني، ومعظمه من المشاة، منطقة قيزيل إرماك وانتقل إلى مناطق قاضي شهري (بالتركية: Kadışehri)‏ وأرتوڤا وأق طاغ مدني (بالتركية: Akdağmadeni)‏ من أجل القتال في منطقة جبلية. وسيطرت قوات الجيش العثماني على توقاد وأماسيا شمال شرق سيواس (انظر الخريطة)، وعلى جميع الطرق التي تمر عبر جبل آق طاغ (بالتركية: Akdağ)‏ وجبل يلدز طاغ (بالتركية: Yıldız Dağı)‏، ووضعتها في موقع دفاعي ضد تيمورلنك.

وردت معلومات استخباراتية بأن تيمورلنك لا يزال حول سيواس وسيتحرك عبر توقاد إلى الغرب، فترك السلطان بايزيد ثقل جيشه في أنقرة كقاعدة وتحرك شرقًا ليلتقي تيمورلنك، وسيطر على توقاد وأماسيا شمال شرق سيواس، وعلى جميع الطرق التي تمر عبر جبل أق طاغ وجبل يلدز ووضع قواته في موقع دفاعي ضد تيمورلنك.

تحركات جيش تيمورلنك

أثناء قضاء تيمورلنك الشتاء في قره باغ، أرسل رسلًا إلى البلدان الواقعة تحت إمرته يأمر فيها "الجنود من جميع البلدان بالانضمام إلى جيشه في الربيع"، كما أرسل الجواسيس لجمع معلومات عن الأرض والطرق والممرات والإعاشة وعن الجيش العثماني. ووفقا للمعلومات التي وصلته، كانت الطرق المؤدية من سيواس إلى الغرب، والطريق الشمالي عبر توقاد والطريق الأوسط المار في اتجاه ألاجا اليوم؛ إما غابات كثيفة أو طرقا جبلية أو وديان ضيقة وعميقة، ولم تكن تلك البيئات مناسبة لإمدادات الجيش والبهائم من الطعام والشراب.

ولذلك كان من غير الممكن الهجوم على السلطان بايزيد مباشرة بسبب الصعوبات التي قد يواجهها جيش تيمورلنك الكبير أثناء المرور عبر تلك التضاريس الصعبة بينه وبين المنطقة التي أفادت تقارير جواسيسه بوجود الجيش العثماني فيها. بالإضافة إلى ذلك، كان تيمورلنك على علم بأن السلطان بايزيد يسيطر على هذه الطرق. [10]

ولذلك قرر تيمورلنك عدم المسير في تلك الطرق، واختار بدلا عنها المسير في وادي نهر قيزيل إرماك في الجنوب ليصل إلى قيصرية أولاً ثم منها إلى قرشهر. ومن خلال البقاء بالقرب من مجاري الأنهار، تمكن جيشه من العيش على الموارد المحلية. كانت فترة الحصاد، فقام جنود تيمورلنك بجمع كل الحبوب في وادي نهر قيزيل إرماك وفروعه. خلال هذه العملية، تصرف جيش تيمورلنك بحذر، وتقدم من منطقة تلو الأخرى لمسافات قصيرة وظنَّ تيمورلنك أنَّ بايزيد سيُهاجمه عند دخوله الأراضي العثمانية. [10]

قطع جيش تيمورلنك مسافة 150 كيلومترًا تقريبًا من سيواس إلى قيصرية في 6 أيام بمسيرات قصيرة على ظهور الخيل ثم تجمَّع في قيصرية وأقام فيها 4 أيام، قام فيها بجمع المحصول الجديد هناك واستخدمه لجيشه. [10] وبعد جمع المعلومات عن العمليات وأوضاع جيش العثمانيين، تحرك نحو قرشهر. وفي هذا الاتجاه، وبسبب الظروف الجغرافية، تقلَّصت المسافة بينه وبين جيش العثمانيين، وقاد تيمورلنك طلائع القوات ووحدات استطلاع مختلفة إلى الأمام بقيادة أبي بكر والأمير نور الدين.

وادي نهر ديليس.في اليوم الخامس لتحرك تيمورلنك بجيشه، استطاعت وحدة استطلاعه تحديد موضع معظم الجيش العثماني، وكان على طول نهر ديليس . وقع اشتباك قصير مع القوات في الخط الأمامي للجيش العثماني وتم أخذ جنديين عثمانيين رهائن.

في اليوم الرابع وصل جيش تيمورلنك إلى قرشهر قادما من قيصرية وحدث أول اتصال مع الجيش العثماني. أرسل تيمورلنك وحدة استطلاع بقيادة شاه ملك لتحديد مواقع جيوش العثمانيين. وفي اليوم التالي، حددت هذه الوحدة أن معظم الجيش العثماني كان على طول نهر ديليجه (بالتركية: Delice Irmağı)‏، حول مدينة يركوي (بالتركية: Yerköy)‏ الحالية بوسط الأناضول. وقعت مناوشات قصيرة مع قوات الخط الأمامي للجيش العثماني وأخذوا جنديين عثمانيين كرهينتين.

اتخذ تيمورلنك بعض الاحتياطات بعد هذه المرحلة:

  • أولاً، وضع جيشه في موقع تمهيدي مُجهز في منطقة مناسبة شمال قرشهر.
  • ثم قام ببناء التحصينات.
  • وحفر الخنادق.
  • وشارك المعلومات الاستخباراتية التي تلقاها عن العثمانيين مع أمراءه.

وفي اليوم التالي، تلقى شاه ملك معلومات تفيد بأن الجيش العثماني يتقدم نحو قرشهر، فأرسل تيمورلنك طلائع قواته إلى جيش العثمانيين حتى لا تتم الإغارة عليه في منطقة غير صالحة للمعركة. ثم جمع قادته ومسؤولي الدولة وتحرك دون انتظار وصول جيش العثمانيين قائلاً: "الأول هو الانتظار في هذه المنطقة وخوض معركة هنا، والثاني هو التقدم فوراً وبسط الضغط في كل الاتجاهات وفي هذه الحالة، سوف يتبعوننا من خلفنا".

الوحدات القتالية في جيش السلطان بايزيد

كان السلطان بايزيد يقود في ساحة المعركة القوات المركزية للجيش العثماني التي كانت تتألف من قوات العَزَب والفرسان السباهية أمام قوات الانكشارية التي يبلغ قوامها 10,000 جندي، وكان على جانبه وخلفه الصدر الأعظم چاندارلي علي پاشا وأبناء السلطان بايزيد: مصطفى چلبي وعيسى چلبي وموسى چلبي.[10]

وكان في الجناح الأيمن قوات ولاية الأناضول بقيادة قره تيمورتاش پاشا (بالتركية: Kara Timurtaş Paşa)‏ وعلى يمينهم الرماة. وكان في الجناح الأيمن أيضًا 20,000 جندي يرتدون دروعًا سوداء يقيادة ديسپوت صربيا ستيفان لازاريڤيتش، وهو صهر السلطان بايزيد. كما كان على الميمنة أيضًا بعض القوات الألبانية. [10]

وتألف الجناح الأيسر من جنود الروملي تحت قيادة سليمان چلبي ابن السلطان بايزيد وخلفهم وحدة عسكرية من التتار السود. [10]

وفي مؤخرة الجيش، كلَّفَ السلطان بايزيد ابنه محمد چلبي (وهو الذي سيصبح لاحقا السلطان محمد الأول) بمهمة قيادة قوات احتياط الحرس الخلفي، وكان السلطان يقدر موثوقيته وحكمته ويعتبرهما ثاني أفضل ما يملكه بعد سليمان بين أبنائه.[10]

وبمبادرة من الصدر الأعظم چاندارلي علي پاشا، جُمعت وحدة عسكرية تُدعى "جيريهور" (بالتركية: Cerehor)‏ من الأناضول والروملي للمشاركة في المعركة.

كان الجناح الأيمن للجيش العثماني متمركزًا باتجاه جبل ميره (بالتركية: Mire Dağı)‏، والجناح الأيسر باتجاه السهل. وكانت القوات المركزية بقيادة السلطان بايزيد متمركزة على تلة جنوب قرية ملك شاه. بالإضافة إلى ذلك، ترك بايزيد قوات تعزيزية في تلة چاتال تبه (بالتركية: Çataltepe)‏ التي تبعد حوالي 4 كيلومترات لمنع أي محاولة حصار. كان من المخطط أن يتم الهجوم من قبل الجنود المتمركزين في منطقتي بويريك (بالتركية: Böyrek)‏ وجبال ميره.

التتار السود

كانت فرقة «التتار السود» (بالتركية: Kara Tatarlar)‏ إحدى المكونات القتالية في الجيش العثماني، وهم مجموعة عرقية من أصول تتارية كانت تعيش بين جبال ألتاي بوسط آسيا والبحر الأسود، وهم شعب تركي ظهر في الأناضول عن طريق الاختلاط بين الأويغور والقرغيز والتتار وبعض المغول.

أطلق الصينيون اسم «طاطا» (تتار) على كل المجتمعات الناطقة باللغة المنغولية، وقسَّموا هذه القبائل المنغولية إلى ثلاث مجموعات: «التتار البيض» (بالتركية: Ak Tatarlar)‏ وهم الذين كانوا يعيشون بالقرب من سور الصين العظيم وكانوا أكثر أنواع التتار تحضرا، و«التتار السود» وهم الذين كانوا يعيشون حياة البداوة والتنقل والترحال، ثم «التتار البَرِّيُّون» (بالتركية: Yabani Tatarlar)‏ وهم الذين كانوا يعيشون على الصيد في البرّية.[28]

ارتحلت قبائل «التتار السود» المنغولية واستقرت في الأناضول بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين، لغرض الغزو والفتوحات ومعهم أتراك آسيا الوسطى الذين جاءوا معهم.[28]

وضع السلطان بايزيد فرقة «التتار السود» على الجناح الأيسر للجيش العثماني الذي كان يقوده ابنه سليمان چلبي ، ولكن التتار السود كانوا قد أضمروا الخيانة من قبل بدء المعركة لأنهم من نفس عرث تيمورلنك التتري. [10] لاحق، انقلب «التتار السود» أثناء القتال في المعركة وانحازوا إلى صفوف تيمورلنك وهاجموا ميسرة الجيش العثماني من الخلف أثناء اشتباكهم مع جيش تيمورلنك من جهة الأمام.[8]

شّكَّل التتار السود ما يقارب ربع قوات الجيش العثماني، وبخيانتهم، اتجهت المعركة إلى نتيجتها المحتومة. [10]

الوحدات القتالية في جيش تيمورلنك

منمنمة تُصوِّر أسر السلطان بايزيد الأول على يد جيش تيمورلنك في معركة أنقرة.

استطاع تيمورلنك بالاعتماد على خبرة أسلافه الثرية أن يُنشئ جيشًا قويًّا ومقتدراً، مما أتاح له تحقيق انتصارات باهرة في ساحات القتال على خصومه، جيشاً متعدد الأعراق والمذاهب نواته من الأتراك المحاربين البدو الرُّحَّل. انقسم جيش تيمورلنك إلى سلاح الفرسان وسلاح المشاة، وقد تعاظم دورهما بشكل كبير في مطلع القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين. ومع ذلك، كان الجزء الأكبر من الجيش يتألف من وحدات الفرسان الرحَّل، التي كان عمودها الفقري يتألف من وحدات النخبة من الفرسان المدججين بالسلاح، بالإضافة إلى مفارز من الحرس الشخصي لتيمورلنك. كان المشاة يلعبون دورًا مساعدًا في كثير من الأحيان، ولكنهم كانوا أساسيين في حصار الحصون. كان سلاح المشاة في الغالب خفيف التسليح ويتألف أساسًا من الرُّماة، ولكن كانت هناك أيضًا قوات ثقيلة التسليح من المشاة.

بالإضافة إلى الفروع الرئيسية للجيش كسلاح الفرسان الثقيل والخفيف وسلاح المشاة، كان جيش تيمورلنك يضم مفارز من العمال والمهندسين ووحدات هندسية عسكرية مسؤولة عن تركيب الجسور على الممرات المائية لتمكين الجيوش من عبورها، كما كان يوجد غيرهم من المتخصصين، بالإضافة إلى وحدات مشاة خاصة متخصصة في العمليات القتالية في الظروف الجبلية تم تجنيدهم من سكان القرى الجبلية. كان تنظيم جيش تيمورلنك يتوافق بشكل عام مع التنظيم العَشْريّ لجنكيز خان، ولكنه أضاف بعض التغييرات، فكانت هناك وحدات يتراوح عددها من 50 إلى 300 رجل، كما كان عدد الوحدات الأكبر حجماً متغيراً أيضاً.

كان السلاح الرئيسي لسلاح الفرسان الخفيف، مثل سلاح المشاة، هو القوس. استخدمت الفرسان الخفيفة أيضاً السيوف أو السيوف والفؤوس. كان الفرسان المسلحون تسليحًا ثقيلًا يرتدون الدروع ذات السلاسل التي غالبًا ما تكون معززة بصفائح معدنية، وكانوا محميّين بخوذات ويقاتلون بالسيوف بالإضافة إلى الأقواس والسهام التي كانت منتشرة على نطاق واسع. أما المشاة العاديون فكانوا مسلحين بالأقواس، بينما كان المشاة الثقيلون يقاتلون بالسيوف والفؤوس والصولجان وكانوا محميين بالدروع والخوذات والدروع. [29]

كان بجيش تيمورلنك حوالي 30 فيلا من الهند بالصفوف الامامية واستعمل الفريقان سلاح النار الإغريقية.

الطريق إلى المعركة

سار السلطان بايزيد الأول بعساكره قاصداً أن يلقى تيمورلنك خارج سيواس، تاركا معسكره الحصين بالقرب من أنقرة، يريد أن يَرُدَّ تيمورلنك عن عبور أراضي دولته، ولم يُرِدِ السلطان بايزيد الأول أن يترك تيمورلنك يعيث فساداً في أراضي دولته بالسلب والنهب والحرق في مدنه. كما أنه كان يخشى من ثورة الأقاليم المسيحية في البلقان إن هو أطال الغياب عنها.

أرسل تيمورلنك جواسيسه إلى التتار الذين كانوا في جيش السلطان بايزيد الأول، قبل وصوله، يقول لهم: نحن جنس واحد، وهؤلاء تركمان ندفعهم من بيننا، ويكون لكم أرض الروم عوضا لكم. فانخدع التتار السود ووعدوه بأن يكونوا معه عند التقاء الجيشين، وكانوا يعرفون كيف يُكافئ تيمورلنك قادتَهُ.

سلك تيمورلنك طريقا غير الطريق الذي سلكه السلطان بايزيد الأول واختار الطريق الأطول، ومشى في أرض غير مسلوكة ودخل البلاد العثمانية ونزل بمعسكر السلطان بايزيد الأول بالقرب من أنقرة وضرب الحصار حولها. فلم يشعر السلطان بايزيد الأول إلا وقد نُهبت بلاده، فقامت قيامته وكر راجعاً وقد بلغ منه ومن عسكره التعب مبلغاً أوهن قواهم، وكلّ خيولهم، وأنهكهم عطشاً.

التغيرات التكتيكية في صفوف الجيشين

في الصورة: بحيرة إيمير بالقرب من أنقرة. بعدما وصل تيمورلنك إلى أنقرة، وزع قواته للراحة والإعاشة في مواقع جنوب شرق أنقرة، وجزء آخر حول بحيرة إيمير وبحيرة موغان، وجزء ثالث على طول مجرى نهر أنقرة. لم يتوقع تيمورلنك وصول السلطان بايزيد بهذه بسرعة أبداً، وهو الذي لقبه "يلدرم بايزيد" أي "بايزيد الصاعقة" لما عُرف عنه بسرعة تحركاته العسكرية.

وصل تيمورلنك إلى أنقرة في اليوم الثالث بعد خروجه من قرشهر فنشر قواته حول قلعة أنقرة ثم بدأ الهجوم عليها. وفي نفس الوقت، فّسَّرّ السلطان بايزيد عدم هجوم تيمورلنك على المواقع الدفاعية في سيواس وتحركه عبر قيصرية إلى قرشهر، بأن تيمورلنك يريد مهاجمة السلطان بايزيد قبل أن يكون مستعدا، أو أنه يريد أن يستولي على أنقرة سريعًا ويُجبر السلطان على القتال من الخلف بجبهة عكسية، بحيث يكون تيمورلنك في أنقرة والسلطان بايزيد قادما من الشرق. لهذا السبب، عاد السلطان بايزيد من توقاد إلى أنقرة بجيشه وأراد خوض المعركة حول قلعة أنقرة، وأبلغ قائد القلعة بذلك وأمره بالدفاع عن القلعة دفاعًا مطلقًا.

تحرك تيمورلنك من سيواس عبر قيصرية ووصل إلى قرشهر، ثم خرج إلى أنقرة وحاصر قلعتها ليستولي عليها. رجع السلطان بايزيد من توقاد إلى أنقرة عبر طريق أق طاغ مدني ثم يوزغات ثم عبر وادي نهر دليجه ثم كاليجيك، بسرعة لم يتوقعها تيمورلنك، فسارع بفك الحصار عن قلعة أنقرة لأن قواته لم تكن مستعدة في تشكيلات قتالية بسبب تلك المفاجأة.

بينما كان تيمورلنك يعتزم الاستيلاء على قلعة أنقرة قبل عودة السلطان بايزيد إليها، تلقى أخبارًا تؤكد اقتراب جيش السلطان بايزيد على مسافة 16 كيلومترًا فقط، فقد قطع الجيش العثماني مسافة الوصول إلى أنقرة في غضون ثمانية أيام، مستفيدًا من فترات راحة قصيرة، وسالكاً طرقا صعبة وأقصر عبر أق طاغ مدني (بالتركية: Akdağmadeni)‏ ويوزغات (بالتركية: Yozgat)‏ ووادي دليجه (بالتركية: Delice Vadisi)‏ وكاليجيك (بالتركية: Kalecik)‏، وبذلك، وصلت القوات العثمانية مرهقة للغاية. [10]

لم يكن تيمورلنك يتوقع وصول السلطان بايزيد بسرعة في هذا التوقيت المبكر، حيث كان قد وزع قواته في مواقع جنوب شرق أنقرة، وجزء آخر حول بحيرتي إيمير (بالتركية: Eymir Gölü)‏ وموغان (بالتركية: Mogan Gölü)‏، وجزء ثالث على طول مجرى نهر أنقرة (بالتركية: Ankara Çayı)‏ للراحة والمعيشة. لم يكن هذا التوزيع عسكريًا استراتيجيًا. عندما فوجئ تيمورلنك بوصول قوات السلطان بايزيد، وجد نفسه في مواجهة العثمانيين دون اتخاذ احتياطات كافية. نتيجة لذلك، رفع تيمورلنك الحصار عن أنقرة وعَبَرَ نهر چوبوك (بالتركية: Çubuk Çayı)‏، ووضع جيشه في تشكيلات قتالية وبنى تحصينات.

تقدم تيمورلنك شمالًا بجيشه وأقام معسكره في سهل نهر چوبوك (بالتركية: Çubuk Çayı ovası)‏ على الضفة المقابلة للنهر، مما أتاح له تأمين احتياجات جيشه من المياه وتزويده بها. بالإضافة إلى ذلك، أمر بتسميم الينابيع القريبة في المنطقة، بما في ذلك مجاري مياه قزلجا كوي (بالتركية: Kızılcaköy)‏، إينجه سو (بالتركية: İncesu)‏، وبينت (بالتركية: Bent)‏، التابعة لنهر چوبوك ليترك العثمانيين بدون ماء. كما دمر الينابيع، والآبار، والصهاريج، والحقول، والطواحين، والمخازن، والمزارع، لمنع السلطان بايزيد من استخدامها.

رسم لخليل سلطان بن ميران شاه ابن تيمورلنك الذي حكم البلاد مباشرة بعد وفاة جده تيمورلنك عام 1405م. كان خليل سلطان في ميسرة جيش تيمورلنك في معركة أنقرة.
تمثال حديث لوجه شاه رخ ابن تيمورلنك، بعد إعادة بناء وجهه بواسطة علوم الطب الشرعي. كان شاه رخ في الجناح الأيسر لجيش تيمورلنك في معركة أنقرة. مَلَكَ البلاد بعد ابن أخيه خليل بن ميران شاه بن تيمورلنك، وكان ملكاً عادلاً ديناً خيراً، فقيهاً متواضعاً، محبباً لرعيته، غير محجوب عنهم، لم يسلك طريقة والده تيمورلنك.

تمركز تيمورلنك في قلب تشكيل جيشه في سهل چوبوك؛ وكان ابنه ميران شاه في الجناح الأيمن وإلى جانبه سلاح الفرسان المدرعة بالكامل تحت قيادة محمد سلطان ميرزا حفيد تيمورلنك، وپير محمد ميرزا حفيد تيمورلنك، والشيخ نور الدين، وعلي سلطان، وعلي كاڤتشين، وأمير مبشر، ومطهرتن. وفي الجناح الأيسر كان ابنه الآخر شاه رخ، وخليل سلطان حفيد تيمورلنك، وأميرزاده رستم، وسلطان حسين حفيد تيمورلنك من ناحية أمه طغاي شاه ابنة تيمورلنك، وأمير سليمان شاه، وأمير شاه ملك، وأمير بوروندوك (بالتركية: Emir Burunduk)‏، وسفينجيك بهادر (بالتركية: Sevincek Bahadır)‏، ودولت تيمور، وأمير موسى، وأمير بيستري (بالتركية: Emir Bisteri)‏. كانت هناك أيضًا في مقدمة الجيش 32 فيلًا حربياً مدرعاً تم جلبهم من الهند، بقيادة إيسن بوغا (بالتركية: Emir Bisteri)‏. كانت الفيلة مرتبطة ببعضها البعض بالسلاسل وكان عليها أبراج يُطلق منها السهام والنيران على جنود العدو.

أما السلطان بايزيد، ولمواجهة أي هجوم من الجوانب أو من الخلف، اختار منطقة للمعركة تكون فيها قوات فرسان العدو في مقدمة القوات العثمانية أو في منطقة يمكن الاستيلاء عليها بسرعة من خلال متابعة حركة العدو، لذلك انتشر الجيش بحيث تكون مقدمته مواجهة للجزء الجنوبي من قرية ملك شاه. ترك السلطان بايزيد منطقة الأراضي الرطبة المحيطة بمنطقة راڤلي (بالتركية: Ravlı)‏ [تغير اسم هذه المنطقة بتركيا مؤخرا إلى أيكورت Akyurt عام 1961م] وانتقل إلى محيط قرية ملك شاه (بالتركية: Melikşah)‏ التي كان يعتقد أنها مناسبة للمعركة، وذلك من أجل إبعاد العدو بين قلعة أنقرة ومعسكره. واختار للإنكشارية موقعاً مرتفعًا ومناسبًا للتحصين والدفاع.

استمرت الاشتباكات بين القوات المتقدمة والاستطلاع أثناء الليل، وفي صباح يوم 28 يوليو/تموز، تمركز تيمورلنك مع جيشه على بعد حوالي 12 كيلومترًا من العثمانيين.

المعركة

مُخطط معركة أنقرة يُوضح تموضع الجيشين العُثماني والمغولي قبل اندلاع القتال بينهما، وأبرز المعالم الطبيعيَّة والمُستوطنات البشريَّة في المنطقة.

التقى الجيشان في سهل چوبوك شمال شرقي مدينة أنقرة، ولم يُرد السلطان بايزيد أن ينتظر حتى يأخذ الجيش راحته ويحصل على الماء، فأسند قيادة الجناح الأيمن إلى صهره ديسپوت صربيا ستيفان لازاريڤيتش وفرسانه المدرعين، وأسند الجناح الأيسر إلى ابنه سليمان چلبي على رأس قوات من مقدونيا وآسيا الصغرى. أما السلطان بايزيد فتولى بنفسه قيادة قواته من الانكشارية وفرسان السپاهيّة المدرعة، ووضع بعض الفرسان في الاحتياط.

مناوشات التي سبقت المعركة

في ليلة المعركة، لم تقع اشتباكات بين القوات الرئيسية للجيشين، باستثناء مناوشات في المواقع الأمامية وبين وحدات الاستطلاع حتى الصباح.

في صباح يوم 28 يوليو/تموز 1402م اتخذ الجيشان مواقع المعركة في سهل چوبوك. نظَّم بايزيد جيشه، وبعد أن رُفعت الرايات العثمانية، ألقى السلطان بايزيد خطابًا أشاد فيه بولاء جيشه وإنجازاته. في الوقت ذاته، نَظَمَ تيمورلنك جيشه أيضًا صلَّى ركعتين كعادته قبل كل معركة. بعد أن أمر السلطان بايزيد ببدء المعركة، انطلقت أصوات النفير والبوق والنقارة. ودقت طبول الجيشين معلنة بداية القتال، الذي استمر محتدماً حتى الغسق.

بداية القتال على الجناح الأيسر العثماني

بدأ القتال بهجوم جيش تيمورلنك على الجناح الأيسر للجيش العثماني بإطلاق السهام، وقاد الهجوم الأول أبوبكر ميرزا بقواته من الجناح الأيمن لجيش تيمورلنك مدعومًا بجيهان شاه ميرزا وقره يولوق عثمان بك. ردَّ فرسان الروملي العثمانية على هذا الهجوم وصدُّوا جيش تيمورلنك وأجبروهم على التراجع.

دور مُطّهَرْتَن في تحويل التتار السود إلى صفوف تيمورلنك

استمر المعركة على الجانب الأيسر العثماني لفترة من الوقت، ثم قام التتار السود الذين بنفس الجناح بتغيير ولائهم وبدأوا في مهاجمة جنود الروملي العثمانيين في الخطوط الأمامية من الخلف باستخدام السهام، وهم مازالوا في صفوف الجيش العثماني.

شارك مُطّهَرْتَن حاكم إمارة إرزنجان في المعركة ضمن الجناح الأيمن من الطابور المركزي المغولي بقياده تيمورلنك. لعب دورًا حاسمًا في تمكين انتقال التتار السود إلى جانب تيمورلنك قادمين من ميسرة السلطان بايزيد، مما أدى إلى تفرق جنود الروملي العثمانيين.[19]

خروج سليمان چلبي بن بايزيد من المعركة

عندما رأى السلطان بايزيد أنه لا يستطيع منع التتار من التوجه إلى تيمورلنك، أمر الجناح الأيسر بالتقدم للهجوم.

سقط خمسة عشر ألف رجل في محاولة عبثية لاختراق الخطوط التترية. كانت المذبحة كبيرة جدًا لدرجة أن سليمان چلبي لم يتمكن من تجميع قواته. وعندما انكسرت قواته وفروا، كانت الحركة الهجومية للعثمانيين قد انتهت.

عندما علم ستيفان لازاريڤيتش بحرج موقف سليمان چلبي بن بايزيد، أرسل إليه فرسانه من أجل تأمين انسحابه، فرجع إلى مدينة بورصة بباقي عسكره تاركا ميدان المعركة.

بعد خروج سليمان چلبي ابن السلطان بايزيد من المعركة، طارده الشيخ نور الدين من جيش تيمورلنك، لكنه فشل في الإمساك به وعاد إلى ساحة المعركة حيث نجح في تدمير قوات سباهية الروملي في الجناح الأيسر العثماني.[10]

هجوم محمد چلبي على الجناح الأيسر

شن محمد چلبي بقواته الاحتياطية هجوما على جناح تيمورلنك الأيسر وسبب فيه اضطرابًا، لكنه لم يتمكن من تحسين الوضع. ومع تحول ميزان القوى لصالح التيموريين، اضطر الجناح الأيسر العثماني الذي وقع بين نارين إلى التراجع، بخاصة بعد أن انخفض عدد قواته إلى النصف نتيجة خروج التتار السود.

انقلاب ولاء المغول والتركمان والقره قويونلو والتتار

غيَّر المغول، والتركمان، والقره قويونلو، والتتار، والتتار السود ولاءهم إلى تيمورلنك، وهم مازالوا في الجناح الأيسر للجيش العثماني، وبدأوا مهاجمة مؤخرة هذا الجناح. نجح العثمانيون في إيقاف هجمات وضغط قوات تيمورلنك على الجناح الأيسر بحلول الظهيرة أمام تلة بهادر (بالتركية: Melikşah)‏. في هذه المرحلة من المعركة، اكتسب التيموريون اليد العليا من خلال التوغل خلف الجناح الأيسر العثماني أثناء تراجعه، قبل أن يوقف العثمانيون تقدم جيش تيمورلنك.

الهجوم العثماني المضاد وتراجع تيمورلنك جنوباً

بحلول الظهيرة، شنّ العثمانيون هجومًا عامًا من المركز دفع جيش تيمورلنك إلى التراجع.

وبعد هجوم فاشل قام به السلطان حسين ضد العثمانيين، شنّ محمد سلطان ميرزا وقوات الاحتياط هجومًا آخر، وردّ الجناح الأيمن العثماني على هذه الهجمات، وبالتالي اضطر تيمورلنك إلى تعزيز جناحه الأيسر المتضرر لاحقًا بقوات سمرقند المدرعة.

تمكن رماة جيش الأناضول العثماني من صد هجمات تيمورلنك على الجناح الأيمن، ثم انضم الجنود الصرب للدفاع معهم. شنّ العثمانيون بعد ذلك هجومًا مضادًا، مما أجبر تيمورلنك على التراجع جنوبًا.

هجوم تيمورلنك بالفيلة والفرسان المدرعين

قاد تيمورلنك هجوماً مضاداً بالفيلة المدرعة والفرسان ليعزز جيشه المتراجع.
صورة للفيلة التي استخدمها تيمورلنك في معركة احتلال دلهي عاصمة الدولة التغلقية عام 1397م.

قاد تيمورلنك هجوماً مضاداً وعزز جيشه المتراجع بوحدات فيلة الحرب المدرعة والفرسان المدرعة القادمة من بلاد ما وراء النهر، ودفعهم للهجوم المضاد.

بعد الظهيرة، أمر تيمورلنك أمراء إمارة كرمايان وبنو صاروخان وبنو آيدين وبنو منتشة بنشر راياتهم الخاصة عاليا، مما جذب فرسان السباهية من جنود ولاية الأناضول الذين كانوا في الجناح الأيمن العثماني إلى صفوف تيمورلنك. وبالتالي، تفكك الجناح الأيمن العثماني واضطر إلى التراجع، مما أدى إلى انكشاف مركز الجيش العثماني.

أُعجب تيمورلنك بشجاعة الصرب الذين كانوا يقاتلون في الجناح الأيمن العثماني.

مُنمنمة مغوليَّة هنديَّة تُصوِّر المعركة الحاسمة بين المغول والعُثمانيين على تُخُوم مدينة أنقرة بِقلب الأناضول.

الهجوم الشامل لتيمورلنك وتزامنه مع خروج قادة عثمانيين

أصدر تيمورلنك أمرًا بهجوم شامل لجيشه في فترة ما بعد الظهيرة، وفي هذه الأثناء غادر الصدر الأعظم چاندارلي علي پاشا، ومراد پاشا، وقائد الانكشارية حسن آغا ساحة المعركة مع سليمان چلبي أكبر أبناء السلطان بايزيد.

خيانة جنود الأناضول وفقد الجناح الأيمن

في وقت لاحق، قام جنود الدولة التابعون لبكوات الأناضول (بالتركية: Eyalet askerleri)‏ بتغيير مواقفهم أيضًا وأظهروا خيانتهم وانحازوا إلى جانب تيمورلنك أيضا، وبذلك فقد الجيش العثماني قوات الميمنة أيضا.

انسحاب أبناء السلطان بايزيد

بقيت القوات المركزية وحدها في أرض المعركة بقيادة السلطان بايزيد واستطاعت الدفاع بنجاح ضد العدو.

تفرقت قوات مصطفى چلبي ابن السلطان بايزيد واختفى هو نفسه. كذلك، غادر عيسى چلبي ابن السلطان بايزيد ساحة المعركة.[10]

مغادرة محمد چلبي بن بايزيد

بعد الظهيرة، انسحب محمد چلبي ابن السلطان بايزيد مع قواته إلى مركز سنجق أماسية. كان محمد چلبي بن السلطان بايزيد والذي سيصبح بعد سنوات السلطان محمد الأول، قد تولى قيادة قوات الحرس الخلفي في المعركة، وبسبب هذه المهمة، كان من بين أول من نجا من هزيمة معركة أنقرة بعدد قليل من الضحايا. إذ أنه لمّا رأى تداعي الجيش العثماني تحت وطئة الخيانات، خرج بقواته من ساحة المعركة ليجنبهم المهلكة، ولم يصل جيش تيمورلنك إليه.[10]

توحيد قوات العثمانيين في فرقة واحدة

تعرض الجيش العثماني لموجة من الخيانات والانسحابات من ساحة القتال مما أثر بشدة على قواته، وفي وسط هذا الفوضى كان السلطان يلدرم بايزيد الصاعقة في قلب الجيش.[10]

بعد أن فقد السلطان بايزيد الجناحين الأيمن والأيسر، جمع ما تبقى من قوات الجيش العثماني في الوسط، وأصبحوا فرقة واحدة مقابل جيش تيمورلنك، ولم يبق في القتال إلا قلب الجيش العثماني بقيادة السلطان بايزيد الأول في نحو خمسة آلاف فارس من الانكشارية وفرسان السپاهية.[10]

أصبح السلطان بايزيد في موقف دفاعي وتراجع خطوة بخطوة، ولكن تم قطع الطريق على انسحابه للخروج من أرض المعركة. قاتل السلطان بايزيد مع حرسه الشخصي والقادمين من الكتائب الأخرى ببسالة على تلة صغيرة، وصمد أمام العدو لساعات. [10]

معركة تلّة تشاتال

بعد الظهر، انسحب السلطان بايزيد إلى تلّة تشاتال (بالتركية: Çataltepe)‏ مع بضعة آلاف فقط من القوات المتبقية. أرسل تيمورلنك ابنه شاه رخ للقبض على السلطان، وكان برفقته قوات بقيادة ميران شاه ابن تيمورلنك والسلطان حسين والأمير سليمان. حاصرت قوات تيمورلنك، التي بلغ عددها حوالي 70,000 جندي تلّة تشاتال، وظل السلطان بايزيد يدافع عن نفسه بقوته المكونة من بضعة آلاف من الجنود على التل. حاولت فرسان تيمورلنك صعود الجبل، ولكن صدهم الجنود العثمانيون الإنكشارية وفرسان السباهية.[10]

استمرت المعركة طوال اليوم حتَّى الغروب، ولم يصمد مع السلطان بايزيد سوى فرقة الإنكشاريَّة البالغ عدد أفرادها حوالي عشرة آلاف جُندي، إلى جانب الصرب، وذلك على الرغم من التفوق العددي لجيش تيمورلنك.

وبعد حلول الظلام بوقت طويل، عندما عادت القوات الرئيسية لجيش تيمورلنك التي كانت تطارد العثمانيين المنسحبين، علموا أن السلطان العثماني لا يزال يقاتل على التلة. واصل السلطان "بايزيد الصاعقة" القتال باستخدام فأس حربي ثقيل، بعثر به العدو كما يبعثر الذئب الجائع قطيعًا من الأغنام. وكانت كل ضربة من فأسه المنيعة تضرب بطريقة لا تحتاج لضربة ثانية للقضاء على العدو. [10]

بايزيد ينجح في اختراق حصار قوات تيمورلنك

واصل السلطان بايزيد القتال رغم أن عدد قواته لم يتجاوز 3,000 جندي وفقًا للمصادر العثمانية. [8] صمد السلطان بايزيد ومن معه حتى أحاطت به قوات تيمورلنك، وعندها صدمهم صدمة هائلة بالسيوف والأطبار حتى أفنوا من جنود تيمورلنك أضعافهم وأوقع خسائر تفوق عدد قواته. [10] استمر القتال من ضحى يوم الأربعاء حتى العصر. وفي محاولة السلطان بايزيد هذه مات العديد من الجنود الذين كانوا معه من شدة الحر والعطش.

مع غروب الشمس، وبعد تراجع هجمات العدو، قرر السلطان بايزيد اختراق الحصار والخروج مع ما يقرب من 300 فارس من السباهية، ونجح في كسر طوق القوات التيمورية شمال شرقي التل؛ واخترق دائرة الحصار باتجاه منطقة سيغيرلي حاجي (بالتركية: Sığırlıhacı)‏.

نهاية معركة أنقرة بأسر السلطان بايزيد وقادته

أرسل تيمورلنك السلطان محمود خان، آخر سلاطين خانية جغتاي الغربية المغولية، لأسر السلطان بايزيد بعد خروجه من الحصار. ابتعد السلطان بايزيد حتى وصل إلى قرية «محمود أوغلان» (بالتركية: Mahmutoğlan)‏ في إقليم چوبوك، التي تبعد حوالي 16 كيلومترًا عن ساحة المعركة. عند وصوله، تعثرت فرسه وأُصيبت إصابة قاتلة فسقط، مما أتاح للسلطان محمود فرصة ضربه بالصولجان وأسره قبل أن يتمكن من التحرك. وكان ذلك على نحو ميل من مدينة أنقرة، يوم الأربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وثمانمائة (27 ذي الحجة 804 هـ) بعد أن قُتل أغلب عسكره بسبب العطش في معركة الصيف بشهر يوليو/تموز.

كما تم أيضا أسر موسى چلبي، ومصطفى چلبي، وقره تيمورتاش پاشا وأمير الروملي هوجا فيروز بك.[10]

تيمورلنك يستضيف بايزيد

لوحة تصور السلطان بايزيد الأول مُكرماً في الأسر لدى تيمورلنك (للرسام الپولندي المتخصص في اللوحات الإستشراقية: ستانيسلو تشلبوفسكي، 1878م).
دفع مانويل الثالث إمبراطور طرابزون الجزية إلى تيمورلنك اعترافًا بقوته، بعد تنامي أخبار انتصاره على السلطان بايزيد في معركة أنقرة.

حوالي منتصف الليل، أُحضر السلطان بايزيد إلى خيمة تيمورلنك، حيث كان يبحث عن الاسترخاء من ضغوط القتال في لعبته المفضلة مع ابنه شاه رخ. لم يفقد السلطان بايزيد شيئًا من روحه العلية وعزته، ولم يحاول أن يكسب ود تيمورلنك، وكان أكثر سيادة في هذه اللحظة من الذل. تأثر تيمورلنك بشدة بسلوك أسيره لدرجة أنه منحه كل الشرف المستحق لرتبته. أمر تيمورلنك بفك قيود السلطان بايزيد واستقباله بكرامة، مشيرًا إلى أن ما حدث كان نتيجة لأخطائه، محاولاً تقديم بعض العزاء له. [10][10]

اعترف السلطان بايزيد بأخطائه وأعرب عن استعداده لخدمة تيمورلنك هو وأبناؤه ما داموا على قيد الحياة إذا عفا عنه تيمورلنك. بعد هذا الحديث، ألبس تيمورلنك بايزيد رداء الشرف. لاحقًا، طلب السلطان بايزيد العثور على ولديه موسى چلبي ومصطفى چلبي وإحضارهما إليه. بعد بضعة أيام، تم العثور على موسى چلبي وتم إلباسه رداء الشرف وإرساله إلى والده.

استضاف تيمورلنك بايزيد في خيمة خاصة، وكان يتحدث معه يوميًا ويعزيه. بعد المعركة، سلم يعقوب بك، ابن قائد قلعة أنقرة خوجا فيروز، القلعة إلى تيمورلنك.

تيمورلنك يعلن نصره لأوروپا

بعد انتهاء معركة أنقرة وأسر السلطان بايزيد، استقبل تيمورلنك تهاني رجال الدولة على انتصاره. ثم أرسل رسائل إلى ملك فرنسا شارل السادس وملك إنجلترا هنري الرابع، يخبرهما بنصره على السلطان العثماني الذي عجزوا هم عن هزيمته. كتب هنري الرابع ملك إنجلترا إليه بحرارة، معرباً عن أمله في أن يتحول إلى المسيحية ويصبح بطلها. [30]

بالإضافة إلى ذلك، دفع إمبراطور طرابزون مانويل الثالث الجزية لتيمورلنك اعترافًا بقوته.

أرسل الإمبراطور البيزنطي مانويل باليولوجوس إلى تيمورلنك سفارة تعرض الاعتراف بسيادته، وتعبر عن استعداده لدفع الجزية التي كان يدفعه للسلطان بايزيد.[30]

الدمار والانقسام في الأناضول

بعد انتهاء المعركة، نهب الجيش التيموري العديد من المدن العثمانية، وأسروا عائلة السلطان بايزيد المتواجدة في بورصة، وأعاد تيمورلنك الأراضي التي فتحها السلطان بايزيد إلى بكوات إمارات الأناضول وانهارت الوحدة السياسية في الأناضول، ثم قسّم تيمورلنك الأراضي المتبقية بين الأمراء العثمانيين ليضمن تفرقهم.[30]

مطاردة سليمان چلبي وحرق بورصة

"كان المحاربون من جميع الجهات يضربون بسيوفهم الحادة على رؤوس الأعداء من كل جانب، حتى لكأن السيوف تنهمر من السحاب.

كانت أرواح المحاربين تنوح من أصوات الصوارم والسهام.

كان الهواء مظلمًا بسبب الغبار الذي أثارته خيول الفرسان، وامتلأت ساحة المعركة بالقتلى".

—كتاب "ظفر نامة" الذي كتبه نظام الدين شامي بأمر من تيمورلنك الذي أراد أن تُكتب فتوحاته واكتمل الكتاب عام 1404م

بعد انتهاء المعركة، أرسل تيمورلنك حفيده محمد سلطان ميرزا مع جيش قوامه 30,000 جندي إلى بورصة لملاحقة سليمان چلبي الذي كان قد فر إليها. وصل محمد سلطان ميرزا إلى بورصة بعد ثلاثة أيام، ولكن سليمان نجح في الهروب من بورصة قبل وصول فرسان التتار إلى بوابات المدينة.

أرسل محمد سلطان جنودًا إلى الشمال نحو غيمليك ونيقية، وإلى الغرب نحو ميخاليتش (Mouhalidj أو Mikhalitch) وكاريسي (بالتركية: Karesi Sancağı)‏ للبحث عن سليمان، الذي لم تُعرف تحركاته ولم يصلوا إليه. تم نهب هذه المدن واستعباد سكانها.[31][31]

ربط التتار خيولهم في المساجد وجعلوها اسطبلات، بينما نهبوا المدينة بحثًا عن كنوزها وفتياتها الصغيرات.[31] حاول التتار هدم الجامع الكبير بها «أولو جامع» فأضرموا فيه النار وخَرَّبوا الواجهات الخارجية ولكنهم فشلوا في هدم الجامع فتركوه بعد حرق الواجهات الخارجية، ولم يتم إصلاح أو إعادة إعمار الجامع إلا بعد 19 عاماً بعد انتهاء عهد الفترة العثماني، وظل الجامع قائما حتى اليوم.

استولى التتار على الخزانة العثمانية التي جُمعت حتى ذلك التاريخ، وأرسلوا ما نالوه إلى تيمورلنك. وبعد أن نهب التتار بورصة، أشعلوا الحرائق في المدينة التجارية الكبرى.

أحرق تيمورلنك الأرشيف العثماني الذي كان يحوي تفاصيل السلاطين العثمانيين السابقين والوثائق والمراسلات.

نهب باقي المدن العثمانية

أرسل تيمورلنك السلطان حسين والأمير سليمان شاه ورستم توقاي بوجا إلى قونية وآق شهير وقلعة قره حصار (بالتركية: Karahisar)‏ لملاحقة القوات العثمانية واحتلال هذه المناطق. بعد ذلك، توجه تيمورلنك إلى سيڤري حصار ثم إلى كوتاهية حيث نظم احتفالًا وقدم هدايا متنوعة للسلطان بايزيد، ووعده بإعادة دولته إليه.

دخل الشيخ نور الدين بورصة وقام بنهبها وأسر ابنة أحمد جلائر، وأوليفيرا ديسپينا خاتون زوجة السلطان بايزيد وأخت ستيفان لازاريڤيتش حاكم صربيا، كما أسر ابنتي السلطان بايزيد. زوَّج تيمورلنك ابنة بايزيد الكبرى لأبي بكر ميرزا، وابنته الصغرى پاشا ملك لابن الأمير جلال الدين شمس الدين محمد. وانتشرت قوات تيمورلنك في مناطق الأناضول تُمعن فيها السلب والنهب.

محاولات إنقاذ بايزيد

حملات تيمورلنك في الأناضول وتوغله بعد انتصاره في معركة أنقرة 1402م.

انتقل تيمورلنك إلى ألتن طاش (بالتركية: Altıntaş)‏ بعد أن مكث في كوتاهية لمدة شهر أو شهرين.

أرسل محمد چلبي، ابن السلطان بايزيد، جواسيس إلى ألتن طاش بهدف إنقاذ أبيه من الأسر، لكن تم القبض عليهم أثناء حفر الأنفاق التي كانت تؤدي إلى خيمة السلطان بايزيد، وأُعدموا. أُعدم أيضًا خوجا فيروز قائد قلعة أنقرة الذي كان يُعتقد أنه متورط في محاولة تحرير السلطان بايزيد.

وبعد الحادثة، تم تشديد التدابير الأمنية لمنع أي محاولة لتحرير السلطان بايزيد.

قفص الحديد لحماية بايزيد

ترددت شائعات تقول أن تيمورلنك بنى قفصًا حديديًا لحماية بايزيد وحمله في هذا القفص.

خضوع سليمان چلبي ومانويل الثاني لتيمورلنك

مانويل الثاني پاليولوجاس. في عام 1390م، أُجبر مانويل على الذهاب كرهينة فخرية إلى بلاط السلطان العثماني بايزيد الأول في بورصة. خلال إقامته، أُرغم على المشاركة في الحملة العثمانية ضد آخر جيب بيزنطي في الأناضول. بعد وفاة والده الإمبراطور في فبراير 1391م، سارع مانويل إلى القسطنطينية لتسلم مقاليد الحكم كإمبراطور بيزنطي. حاصر السلطان بايزيد الأول القسطنطينية من عام 1394م إلى عام 1402م، ولكنه فك الحصار قبل توجهه إلى معركة أنقرة في 1402م، حيث أبرم معاهدة مع الإمبراطور مانويل الثاني. بعد هزيمة السلطان في المعركة، أعلن مانويل الثاني خضوعه لتيمورلنك اعترافا بقوته. أصيب بالشلل في عام 1422م، وأُجبر في عام 1424م على دفع الجزية مجددا للعثمانيين، توفي في يوليو 1425م.

أعلن الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني پاليولوجاس وسليمان چلبي خضوعهما وتبعيتهما لتيمورلنك. وأرسل تيمورلنك هدايا متنوعة إلى سليمان چلبي كمظهر من مظاهر التقدير والدعم.

حملات تيمورلنك في الأناضول

بعد ذلك، سافر تيمورلنك إلى دنيزلي ومنها إلى إزمير، وهناك علم بوجود قلعة تحت سيطرة المسيحيين لم يتمكن أحد من الاستيلاء عليها حتى ذلك الوقت، فأرسل پير محمد ميرزا والشيخ نور الدين كسفيرين إلى أصحاب القلعة، ولما رفض النصارى الذين دُعُوا إلى الإسلام هذه الدعوة، حاصر القلعة واستُولي عليها وأسر من فيها، ثم قُتل فرسانها بالسيف.

توجَّه تيمورلنك بعد ذلك نحو قلعة فوتشا (بالتركية: Foça Kalesi)‏ واستولى عليها بعد استسلام أهلها.

خضوع عيسى چلبي لتيمورلنك

بعد دخول تيمورلنك إزمير، أعلن عيسى چلبي ابن السلطان، تبعيته أيضًا لتيمورلنك عن طريق إرسال الهدايا إليه، ثم تولى عيسى چلبي إدارة بورصة التي احتلها بإذن تيمورلنك.

وفاة السلطان بايزيد

تُوفي السلطان بايزيد الأول بالسكتة الدماغية في يوم 8 مارس 1403م في مدينة آق شهير، سمح تيمورلنك لموسى چلبي بنقل جثمان والده ليُدفن في مدينة بورصة، عاصمة الدولة العثمانية، حيث مازال قبره باقيا هناك. [32][31]

تختلف الروايات حول سبب وفاة السلطان بايزيد:

  • يعتقد بعض المؤرخين العثمانيين الأوائل مثل أوروچ بك (بالتركية: Oruç Bey)‏ وحديدي (بالتركية: Hadîdî)‏ أنه قد تناول السم الذي كان يحفظه في خاتمه، مخافة أن ينقله تيمورلنك إلى عاصمته سمرقند، مما دفعه للانتحار.
  • وتشير وجهة نظر أخرى إلى أنه توفي بسبب مرض النقرس أو مشاكل في التنفس.

الادعاءات بأن تيمور قتل السلطان بايزيد ضعيفة وغير مؤكدة.

تتفق سجلات الأحداث من القرن السادس عشر وسجلات الأحداث العثمانية اللاحقة بالإضافة إلى المؤرخين الغربيين مثل هامر وغيبونز (بالإنجليزية: Herbert Adams Gibbons)‏ بأن السلطان بايزيد وافاه الأجل وتوفي وفاة طبيعة، ويشاركهم المؤرخون الإيرانيون في هذا الرأي أيضًا. [31]

بعد وفاة السلطان بايزيد

بعد وفاة السلطان بايزيد، أعلن تيمورلنك أن الأراضي التي كانت تابعة للسلطان بايزيد وبينها أراضي الأمراء الذين كانوا يُوالونه قد أصبحت تحت سيطرته الآن.

وهكذا، دخلت الإمبراطورية العثمانية في فترة فراغ من السلطة اسمها "عهد الفترة العثماني" (بالتركية: Interregnum)‏ حيث تفرقت الدولة العثمانية وتنازعها أكثر من أمير، واستمر الحال 11 عاماً إلى أن استطاع محمد چلبي بن السلطان بايزيد إعادة توحيد الدولة العثمانية في كيان واحد عام 1413م.

تقلصت حدود الدولة العثمانية باستثناء چوروم وأماسية وتوقاد، إلى حدودها خلال فترة السلطان أورخان غازي جدّ السلطان بايزيد الأول. وبسبب حملات تيمورلنك العسكرية في الأناضول والمناطق المحيطة بها، تعطل تدفق التجارة في الأناضول. تولت البندقية وجنوة التجارة البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، بينما كان الهيكل الديموغرافي للأناضول يتغير جزئيًا بهجرة سكانها إلى أرض الروملي والبلقان.

مآلات المعركة

نقش من القرن التاسع عشر.صورة تخيلية لسفير قشتالة: روي غونزاليس دي كلافيخو الذي قام برحلة طويلة إلى سمرقند عاصمة دولة تيمورلنك بعد انتصاره في معركة أنقرة، ووصف سمرقند بالتفصيل فيما بعد في أوروپا.
مخطوطة رحلة جونزاليس دي كلافيجو. "حياة وأفعال تيمورلنك العظيم".

معركة أنقرة كانت الحدث الوحيد في التاريخ العثماني خلال القرون الثلاثة الأولى التي شهدت هزيمة ساحقة لجيش الدولة العثمانية وأسر حاكمها. وبحسب المؤرخ غيبونز، فإن هذه المعركة لم تؤثر في مصير الأمم كما حدث في معارك قوصوه أو نيقوپوليس، إذ لم تغير مسار التاريخ بشكل كبير. [9]

وصف سمرقند عاصمة تيمورلنك

بعد الانتصار تلقى تيمورلنك التهنئة من ملوك إنجلترا وفرنسا وقشتالة. وقام سفير قشتالة روي غونزاليس دي كلافيخو (بالإسبانية: Ruy González de Clavijo)‏ برحلة طويلة إلى سمرقند عاصمة دولة تيمورلنك، ووصفها بالتفصيل فيما بعد في أوروپا.

حملات النهب والتخريب المغولية في الأناضول

بعد تفكك القوات العثمانية في المعركة نتيجة الخيانات المتتابعة للّحاق بتيمورلنك، قام أمراء ينتمون إلى تيمورلنك بإكمال غزو الأناضول بأكملها لصالحه. فاستولت قوات تيمورلنك على آسيا الصغرى بأكملها.

سيطر الأتراك المغول على أنحاء مختلفة من الأناضول باستخدام فروع متنوعة من قواتهم العسكرية، وقضوا فصل الصيف والشتاء من عام 1402م إلى 1403م في مناطق إزمير، مانيسة، دنيزلي، أولوبورلو (بالتركية: Uluborlu)‏، وكوتاهية. خلال هذه الفترة، انتشرت قوات تيمورلنك في جميع أنحاء الأناضول وشنت حملات نهب وتخريب في مناطق مختلفة.

حاول تيمورلنك تبديد الاستياء الذي أثاره في نفوس المسلمين بعد الضربة التي وجهها للعثمانيين، عبر توجيه ضربات قاسية للمواقع الصليبية، فاستولى على مدينتي إزمير وفوتشا (بالتركية: Foça)‏ بأقصى غرب الأناضول من أيدي المسيحيين وسلمهما للمسلمين.

نشوة تيمورلنك بالنصر والدمار

بعد انتصار تيمورلنك على الدولة العثمانية، أصبح مُتعباً من آسيا الصغرى والحملة الغربية. لم يكن لديه سياسة بناءة، ولم يحاول أبداً نظم فتوحاته في إمبراطورية عالمية مثل الفاتحين التتار السابقين. كان تيمور مُغيرًا، شغوفا بالدمار والنصر يكتفي بالغزو فقط، لذلك أدار ظهره للقسطنطينية والإمكانيات البراقة لغزو أوروپا وأراد العودة إلى عاصمته سمرقند للاستمتاع بثمار انتصاراته. [30]

بعد أن توفي بايزيد في آق شهير بأربعة أيام، تُوفي محمد سلطان ميرزا حفيد تيمورلنك الأعزّ، الذي كان أميرًا قد ظهرت شجاعته المبكرة في أكثر من مناسبة وهو في التاسعة عشرة من عمره. فجع الجيش بأكمله بهذه الخسارة، وكدليل على الحداد، لبس أمراء الإمبراطورية وعظماؤها ثيابًا سوداء وزرقاء، وتمرغت النساء في التراب وأثوابهن مليئة بالحجارة حتى تدمي. [32]

من هذه اللحظة نسي تيمورلنك كل شيء عن العثمانيين. وبعد إقامة قصيرة في قونية، غادر آسيا الصغرى، وخلال عامين توفي تيمورلنك بسبب الحُمَّى أثناء رحلته لغزو الصين. [30]

تقلص الدولة العثمانية

أدت الهزيمة إلى انهيار الدولة العثمانية، ورافقها اقتتال داخلي بين أبناء السلطان بايزيد، وتقلصت حدود الدولة العثمانية إلى حدود عهد السلطان أورخان غازي بن عثمان غازي بن أرطغرل، ثاني سلاطين الدولة العثمانية، باستثناء تشوروم (بالتركية: Çorum)‏ وأماسية (بالتركية: Amasya)‏ وتوقاد (بالتركية: Tokat)‏.

عندما رأى تيمورلنك أن أبناء السلطان بايزيد مستعدون للتنازع حول خلافة والدهم، بدأ يتفاوض مع عيسى، موسى، ومحمد، مشجعاً كل منهم على الأمل في الاعتراف به كوريث وحيد للدولة العثمانية، وأرسل إلى سليمان تفويضاً، منحه بموجبه ممتلكات العثمانيين في أوروپا يحكمها كتابع للإمبراطورية التتارية.[30]

عاشت الدولة العثمانية فترة من عدم الاستقرار والحرب الأهلية استمرت لمدة 11 عامًا بدون سلطان يحكم الدولة، وذلك بعد سقوط السلطان بايزيد أسيراً في هذه المعركة. تُعرف فترة خلو العرش هذه باسم عهد الفترة، حيث ضعفت هيمنتها السياسية وتعرضت لتفكك مؤقت.

تأثرت الدولة العثمانية بشكل سلبي سياسيًا بعد معركة أنقرة وتأخر دخولها لعصر الإمبراطورية مترامية الأطراف.

التحولات الاستراتيجية للعثمانيين

على الرغم من هزيمة الجيش العثماني في المعركة، إلا أن العديد من القوات تمكنت من الانسحاب إلى مناطق مختلفة في الأناضول. واضطرت الدولة العثمانية بعد هذه الهزيمة إلى اتخاذ موقف دفاعي في الروملي.

انتهت الحملات العثمانية غربًا باتجاه أوروپا، ولم يتمكنوا من تطبيق قانون "پنچيك" (بالتركية: Pençik Kanunu)‏ الذي يسمح بتجنيد بعض أسرى الحرب في الجيش العثماني بعد اختبارات مختلفة، لأنهم لم يتمكنوا من أخذ أسرى في المعركة الأخيرة ولأن الفتوحات العثمانية في الغرب قد توقفت تماما ولم تدخل الدولة في حروب وتأخذ أسرى.

نجاة الجيش العثماني وسط التدمير والمطاردة

بعد معركة أنقرة، أراد تيمورلنك إبادة الجيش العثماني الذي انسحب من المعركة، فأرسل التتار المنتصرين في إثر الجيش العثماني. لم يتابع جنود التتار فقط سليمان چلبي إلى بحر مرمرة ويتابعوا الوحدات العسكرية العثمانية التي انسحبت إلى مضيق البوسفور، بل طاردوا أيضًا الجزء الرئيسي من الجيش الذي كان يبلغ عدده حوالي أربعين ألفًا، والذين هربوا على طول خط المسيرة المعتاد إلى مضيق الدردنيل. هناك، تنافس اليونانيون واللاتين في مساعدة اللاجئين على عبور المضيق البحري. كتب شاهد عيان بندقي أن البنادقة عرضوا على الجنويين أن يرفضوا معاً نقل العثمانيين الذين كانوا مكتظين على الشاطئ الآسيوي. لكن الجنويين بدأوا في نقلهم في سِرِّيَّة إلى الجانب الأوروپي بمساعدة اليونانيين. فبدأ البنادقة، خوفًا من فقدان الحظوة مع العثمانيين، في تقديم المساعدة. هذه الشهادة مؤكدة من قبل كلاڤيو (بالإيطالية: Clavijo)‏، الذي زار القسطنطينية في العام التالي. وأضاف، أن تيمورلنك كان مستاءً من الطريقة التي فشل بها اليونانيون واللاتين في التعاون معه في تدمير الجيش العثماني.[30]

لم يبذل اليونانيون، والبنادقة، والجنويون أي جهد للاستفادة من هذه الفرصة الكبيرة في القضاء على الجيش العثماني. كما أنهم لم يحركوا ساكنًا، سواء بشكل جماعي أو منفرد، لطرد العثمانيين من أوروپا خلال السنوات العشر من الحرب الأهلية التي أعقبت وفاة السلطان بايزيد، بل أنشأ البنادقة والجنويون مع سليمان چلبي في إدرنة نفس العلاقات الودية التي كانوا حريصين على الحفاظ عليها مع والده. [30]

تعطل التجارة في الأناضول

تعطلت حركة التجارة الداخلية في الأناضول بسبب حملات تيمورلنك العسكرية في تلك المنطقة والمناطق المجاورة، واستولت البندقية وجنوة على التجارة البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

كانت معظم التجارة البرية بين آسيا وأوروپا تمر عبر الطرق الممتدة في الأناضول. تسببت حملات تيمورلنك في تعطيل تلك التجارة الدولية أيضا.

وبالإضافة إلى ذلك، بعد أن وقعت أراضي الدولة العثمانية تحت سيطرة إمبراطورية تيمورلنك عقب خسارة العثمانيين للمعركة، بدأت فترة من الفوضى والحرب الأهلية في البلاد العثمانية، تُعرف بـ"عهد الفترة". تسببت هذه الفوضى المحلية في عرقلة أعمال التجارة والنقل الداخلي والدولي وأعمال التموين في الأناضول.

نتيجة لكل تلك لأسباب مجتمعة، تأثرت التجارة والاقتصاد في الدولة العثمانية والدول المجاورة تأثرا سلبيا. وبالإضافة لما سبق، أدت الفدية التي دفعتها معظم المدن لتيمورلنك إلى تفاقم أزمة اقتصادية كبرى في الدولة العثمانية.

تغير البنية الديموغرافية للأناضول

بعد المعركة، شهدت الأناضول تغييرات ديموغرافية كبيرة. هاجر العديد من السكان غرباً إلى الروملي والبلقان، مما سرَّع من تتريك تراقيا البلقانية وإضفاء الطابع الإسلامي عليها بسبب نزوح الأتراك المسلمين إليها بعد هزيمة الدولة العثمانية. وفقًا للمؤرخ التركي خليل أنجاك، فإن غزو تيمورلنك للأناضول أدى إلى تدفق السكان الأتراك إلى البلقان.

تم ترحيل التتار السود في وسط الأناضول إلى آسيا الوسطى، وانتقل التركمان والأكراد والعرب الذين كانوا يعيشون في المدن الكبيرة أو المناطق الريفية إلى الروملي بعد المعركة.

أدت الحروب الداخلية إلى تقليل عدد السكان، وتدهور تنظيم الجيش العثماني وأصبحت القوات المتبقية غير كافية للحفاظ على الأمن الداخلي.

كما أن نقل الحرفيين والعلماء من الأناضول إلى سمرقند عاصمة تيمورلنك، أثر سلبًا على الدولة العثمانية في مجالات الصناعة والعلم.

بعد المعركةـ أعاد تيمورلنك تسليم الأراضي التي استولى عليها في الأناضول إلى الأمراء المحليين السابقين، ومنهم بينهم أمير صاروخان الذي دخل مانيسة بموكب احتفالي بعد ثلاثة أسابيع من نهاية المعركة، في 17 أغسطس. بذلك، تم إعادة تأسيس جميع إمارات الأناضول القديمة من إرزينجان إلى إمارة بني منتشا في إقليم كاريا.[30]

ادعى أمير إمارة قرمان في قونية، العاصمة السابقة للسلاجقة، أن لهم الحق في السيادة في الأناضول باعتبارهم الورثة الشرعيين للسلاجقة، واستقروا في المناطق ما بين سيڤري حصار (بالتركية: Sivrihisar)‏ وباي پازاري (بالتركية: Beypazarı)‏، التي تشمل أنقرة وبورصة. كما سيطروا على مناطق قيصرية وقِرشهر وأنطاليا، مما منحهم منطقة نفوذ أكبر من حدودهم السابقة.

شعار ستيفان لازاريڤيتش، ديسپوت الصرب وصهر السلطان بايزيد الأول. كان أحد الأسباب التي دفعت ستيفان إلى الوفاء بالتزاماته التابعة للسلطان بايزيد ومشاركته بقواته الصربية في معركة أنقرة 1402م هو الرغبة في الحفاظ على قوة التحالف الصربي-العثماني تحت ضغط مملكة المجر الذي بدأ يلوح في الأفق، ولسبب الآخر هو أن أوليڤيرا دسپينة خاتون أخت ستيفان كانت متزوجة من السلطان بعد معركة قوصوه مباشرة عام 1389م كاتفاقية سلام بين عائلة لازاريڤيتش والإمبراطورية العثمانية. [33][34][35]

بعد عودة ستيفان لازاريڤيتش إلى صربيا مع الجنود المتبقين، منحه الإمبراطور البيزنطي لقب ديسپوت الصرب (الحاكم) وهو ثاني أعلى منصب في الحُكم بعد الإمبراطور.

خروج العثمانيين من القسطنطينية وقطع الجزية

بمجرد أن علم الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوجوس من مجلس الشيوخ البندقي خبر هزيمة السلطان بايزيد في أنقرة، عاد مسرعاً إلى القسطنطينية من أوروپا ونفى الوصي المؤقت على القسطنطينية يوحنا السابع باليولوجوس إلى جزيرة لمنوس، وطرد السكان العثمانيين من القسطنطينية، وأغلق محكمتهم بالمدينة.[30]

اعتبر سليمان چلبي بن السلطان بايزيد الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني بمثابة "أبٍ" له، وسَلَّمَ إليه شقيقه الأصغر "قاسم چلبي" وشقيقته "فاطمة خاتون" أبناء السلطان بايزيد كرهائن. كما قطع البيزنطيون الجزية التي كانوا يدفعونها للعثمانيين وأخرجوا العثمانيين من القسطنطينية.

الإمبراطورية البيزنطية

كان سكان القسطنطينية، الذين كانوا تحت حصار العثمانيين، ينوون تسليم المدينة إلى السلطان بايزيد بسبب الحصار الطويل والجوع، ولكن مع بدء معركة أنقرة، تم رفع الحصار.

منحت هزيمة العثمانيين بيزنطة، التي كانت قد خسرت كل أراضيها تقريباً، فرصة استفادة الإمبراطور يوحنا السابع باليولوجوس من رفع الحصار العثماني المضروب على القسطنطينية منذ سنوات، فقام باستعادة الساحل الأوروپي لبحر مرمرة وسالونيك مرة أخرى، فانخفض تدفق المستوطنين الأتراك بعد انتقال ساحل بحر مرمرة إلى بيزنطة نتيجة للضعف المؤقت للدولة العثمانية وتفتتها.

وفي المقابل، تقدمت القبائل التركمانية المحتشدة في آسيا الصغرى تحت ضغط المغول إلى بحر إيجة، فحرموا المسيحيين اليونانيين هناك من ميزة الأغلبية الديموغرافية في المنطقة. ففي عشية المعركة، بدأ الأتراك بالعبور هاربين إلى أوروپا عبر غاليبولي الخاضعة للسيطرة العثمانية منذ عام 1352م، مما أدى إلى زيادة عدد السكان في وادي نهر ماريتسا وتراقيا، ولجأ الكثير منهم إلى العاصمة العثمانية الأوروپية آنذاك أدرنة (عاصمة العثمانيين منذ عام 1365م وحتى فتح القسطنطينية 1453م) الواقعة هناك.

تسبب نزوح الأتراك المسلمون غربا بعد الهزيمة وتحت الضغط العسكري لتيمورلنك إلى انعزال القسطنطينية اليونانية عن مجموعة الأمم المسيحية المجاورة، حيث وجدت القسطنطينية نفسها محاطة من جميع الجهات بسكان غالبيتهم من الأتراك ولم يُترك لها أي فرصة للحفاظ على استقلالها.

استعادة الدول الأوروبية لقوتها

لقد أثبتت معركة نيقوبوليس أن العثمانيين يمكنهم الاحتفاظ بما كسبوه ضد أوروپا.

وأثبتت معركة أنقرة أنهم كانوا متجذرين بقوة في شبه جزيرة البلقان وفي شمال غرب آسيا الصغرى، كعرق أصلي وكأمة، بحيث لا يمكن تدميرهم بسبب مِحَن سلالتهم.

—المؤرخ الأمريكي هربرت آدامز غيبونز (1880م-1934م) في كتابه المنشور عام 1916م بعنوان

تأسيس الإمبراطورية العثمانية
تاريخ العثمانيين حتى وفاة بايزيد الأول
(1300م - 1403م).

أدت الحروب الأهلية المستمرة إلى إضعاف القوة العثمانية بشكل دائم، فاستعادت الدول الأوروبية مثل إمارات رومانيا، البندقية، النمسا، والمجر قوتها من جديد.

كما تُرِكت سالونيك، وثيساليا، والمناطق المحيطة بالقسطنطينية، والسواحل الشمالية للبحر الأسود، وجُزُر إسكييري وسكوبيلوس وإسكادوس في بحر إيجة للإمبراطورية البيزنطية بعدما ملكها العثمانيون.

استولى أنطونيو الأول أكيولي (بالإيطالية: Antonio I Acciaiuoli)‏ على دوقية أثينا عام 1402م، وهاجم جزيرة إغريبوز المتحالفة مع العثمانيين، وأخذ أراضٍ بطول 8 كيلومترات تقريبًا على البر الرئيسي المقابل للجزر كإقطاعية له تحت اسم جمهورية البندقية. وهكذا، أصبحت القرى التي كان يسكنها العثمانيون تحت سيطرة البندقية.

وفي البلقان، تراجع العثمانيون من سواحل البحر الأدرياتيكي إلى شرق سلسلة جبال بيندوس، واستعادت البندقية وجنوة السيطرة على التجارة البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

الموقف الأوروبي من الهزيمة العثمانية

سجل المؤرخ هربرت آدامز غيبونز (1880م-1934م) أنه بعد الهزيمة "المذهلة" في معركة أنقرة وخلال فترة الحروب الأهلية بين الأمراء، لم يتخذ البيزنطيون ولا البندقيون ولا الجنويون موقفًا عدائيًا تجاه العثمانيين. فقد أثبتت معركة أنقرة أن الدولة العثمانية قد تجذرت بقوة في الأناضول وشبه جزيرة البلقان وفي شمال غرب آسيا الصغرى، كعرق أصلي وكأمة، بحيث لا يمكن تدميرهم بسبب المحن، وأنهم قادرون على التغلب على مختلف الصعوبات.[30]

مرَّ عقد الحرب الأهلية بين أبناء السلطان بايزيد دون تدخل من العالم الخارجي، ودون انتفاضة واحدة من المسيحيين البلقانيين الذين كانوا تحت سيطرة آل عثمان، على الرغم من الانقسامات الداخلية. [30]

إعادة توحيد الدولة العثمانية

عمل الأمير محمد چلبي، ابن السلطان بايزيد الأول، الذي أصبح لاحقاً السلطان محمد الأول، على إعادة توحيد الدولة العثمانية وعاصمتها بورصة بعد فترة طويلة من الحروب الأهلية العثمانية التي استمرت 11 عاماً، وتولى الحكم كسلطان للدولة العثمانية بنجاح لتستمر مسيرة الدولة بعد اقطاعها عقب معركة أنقرة.رسم للسلطان محمد الأول - من مجموعات الرسم في ولاية باڤاريا.

في عام 1413م، أصبح محمد چلبي، بعد أن انتصر على إخوته، الحاكم الوحيد للعثمانيين وانتهت الأزمة، واستؤنفت مسيرة الفتوحات، التي توقفت مؤقتًا بسبب تيمورلنك. [30]

انتصر محمد چلبي، حاكم أماسية، على إخوته وأعاد توحيد الدولة، فاستعادت الدولة العثمانية شرعيتها، وتولى محمد چلبي لقب السلطان محمد الأول، واستمرت الدولة العثمانية بعد توقف 11 عاما منذ هزيمة معركة أنقرة 1402م.[30]

اضطرابات داخلية وتمردات

بعد وفاة تيمورلنك، عاد إلى الأناضول الأمير مصطفى چلبي ابن السلطان بايزيد، وكان قد أُسر في المعركة ونُقل إلى سمرقند. حاول الأمير اكتساب أنصار له لكي يطالب بالعرش، فساندته أولاً إمارة القرمان، ثم تلقى دعم البيزنطيين والأفلاق في البلقان.

وبسبب طموحاته للوصول إلى الحُكم، عانت الدولة العثمانية في عهد السلطان محمد الأول ثم ابنه السلطان مراد الثاني من ثورته الأولى والثانية على التوالي، واتبعت سياسة حذرة تجاه مصطفى چلبي المدعوم من البيزنطيين.

أثار حلفاء مصطفى چلبي، بوركلوجي مصطفى (بالتركية: Börklüce Mustafa)‏ وتورلاك كمال (بالتركية: Torlak Kemal)‏، اضطرابات في الأناضول ببدء التمرد في عام 1416م. ثم في عهد السلطان مراد الثاني، أعلن مصطفى چلبي نفسه حاكمًا في إدرنة عام 1421م، لكنه أُسر وأُعدم لاحقًا.

تعداد الجيشين

مال الكثير من المؤرخين إلى الإفراط في أعداد المقاتلين من الجيشين، فيذكر العالم جروسيه ان حوالي مليون مقاتل اشتركوا في المعركة. ويذكر شيتلتبرجر الذي عاصر هزيمة المسيحين في نيقوپوليس وانتقل إلى خدمة العثمانيين، أن جيش بايزيد الأول كان حوالي مليون وأربعمائة ألف مقاتل وأن تيمورلنك كان يفوقه بمائتي ألف مقاتل إلا أن هذه الرواية مستبعدة.

أكثر الأرقام اعتدالا حسب رأي المستشرقين والمؤرخين الأوروبيين هي حوالي 200,000 ألف لكل جانب، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن القوات التي تزيد عن هذه الأرقام لا يمكنها التحرك عبر الأناضول بالسهولة التي تحرك بها الجيشين، ولكن هناك رواية ذكرها المؤرخ الدكتور تامر بدر في كتابه «قادة لا تُنسى» أن جيش تيمورلنك كان تعداده أربعة اضعاف الجيش العثماني وأن الكفة كانت مرجحة لجيش تيمورلنك من قبل بدء المعركة وتكوَّن من 800,000 ضد 120,000 مقاتل فقط.

تذكر المصادر العثمانية أن القوة الصربية التي شاركت العثمانيين كانت قرابة 20,000 شخص، وأن جيش تيمورلنك بلغ 160,000 وبه 30 فيلاً، بينما كان الجيش العثماني 70,000 أو 90,000 رجلا.[8]

وبجمع المصادر المختلفة، فقد تراوحت تقديرات حجم جيش تيمورلنك ما بين 140,000 - 800,000 رجلا، وجيش بايزيد في المقابل ما بين 70.000 - 300.000 رجلا.

هناك ادعاءات مختلفة حول عدد جنود الجيشين في المعركة. وفقًا لإسماعيل حقي أوزونتشارشيلي (1883م-1939م) (بالتركية: İsmail Hakkı Uzunçarşılı)‏، كان عدد الجيش العثماني 70,000، ووفقًا لعمر خالص بيكطاي (بالتركية: Ömer Halis Bıyıktay)‏ كان 74,000، وطبقاً لسولاك زاده محمد حمدمي (1590م-1658م) (بالتركية: Solakzade Mehmed Hemdemî)‏ كان 90,000، وطبقاً لهوجا سعد الدين أفندي (1536م-1599م) (بالتركية: Hoca Sâdeddin Efendi)‏ كان 90,000، وطبقاً لإدريس بيتليسي (1452م-1457م) (بالتركية: İdris-i Bitlisî)‏ كان 90,000، وطبقاً لجوزيف فون هامر بورغستال (بالألمانية: Joseph von Hammer-Purgstall) كان 120,000، وطبقاً لعاشق پاشا زادة ونشري كان 130,000، وكان 300,000 وفقًا لخير الله أفندي (1818م-1866م) (بالتركية: Hayrullah Efendi)‏.

ويقبل يلماز أوزتونا رقم هامر باعتباره "الأكثر منطقية". ويرى أحمد شيمشيرجيل (1959م - ) (بالتركية: Ahmet Şimşirgil)‏ أن العثمانيين كان لديهم قوة قوامها 80,000 جندي وأن قوة الجيش التي بلغت مائة ألف جندي لم تتحقق إلا في عهد السلطان سليم الأول. وقد ذُكر في كتاب تيمورلنك "فتح نامة" (بالتركية: Fetihnâme)‏ الذي كُتب بعد معركة أنقرة أن القوات العثمانية كانت تتألف من 70,000 فارس وراجل.

وبلغ عدد الجنود في جيش تيمورلنك 140,000 جندي وفقًا لعمر خالص بيكتاي، و 200,000 - 300,000 وفقًا لإرنست لاڤي (1842م-1922م) (بالفرنسية: Ernest Lavisse)‏ وألفريد رامبو (1842م-1905م) (بالفرنسية: Alfred Nicolas Rambaud)‏، و700,000 وفقًا لكاتب چلبي (1609م-1657م) (بالتركية: Kâtip Çelebi)‏، و840,000 وفقًا لسعيد الدين أفندي (بالتركية: Sâdeddin Efendi)‏ وهامر، و850,000 وفقًا لخير الله أفندي (بالتركية: Hayrullah Efendi)‏، ويدّعي يلماز أوزتونا أن خير الله أفندي قد كتب عدد جنود الجيشين بعدد "مبالغ فيه". ويذكر أيضًا أن هوجا سعد الدين أفندي (بالتركية: Hoca Sâdeddin Efendi)‏ قد بالغ في عدد الجنود لكي يعزو هزيمة العثمانيين إلى كثرة عدد قوات العدو، وأن هامر الذي تأثر به في أعماله كتب أيضًا عدداً "مبالغًا فيه". يؤيد أوزتونا وجهة نظر رامبو ويوافق على أن الرقم "الأكثر منطقية" هو 250,000 جندي. ويذكر أيضًا أن بيكطاي قد قلل من عدد جنود الجيشين.

ملاحظات

المراجع

  • سبع معارك فاصلة في العصور الوسطى تأليف جوزيف داهموس.