شهدت الحرب في السودان، التي اندلعت في 15 من شهر نيسان من عام 2023، جرائم حرب واسعة النطاق ارتكبتها كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي وجهت لها بصورة منفردة منظمة هيومان رايتس ووتش والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.[1][2][3] اتسم الصراع بهجمات عشوائية عنيفة على الأسواق والأحياء السكنية المأهولة، الأمر الذي أفضى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا. استهدفت المشافي خلال القصف الجوي ونيران المدفعية، ونهبت المخازن الطبية. أثرت هذه الهجمات بصورة كبيرة على نظام الرعايا الصحية في السودان، وعطلت الخدمات الطبية وتركت معظم المشافي في الولايات التي تضررت من الصراع خارج الخدمة. أعلنت الأمم المتحدة بأن السودان أخطر بلد على عاملي الإغاثة بعد جنوب السودان.[4]
في الجنينة، غربي دارفور، قتلت قوات الدعم السريع والجنجويد ما لا يقل عن 1100 شخص غير عربي.[5][6] في 22 من شهر يوليو، ادعى زعيم قبيلة المساليت أن ما يزيد عن 10 آلاف شخص قد قتلوا في غربي دارفور وحدها، وأن 80٪ من سكان الجنينة قد نزحوا. سجل وقوع مجازر ضد المساليت في بلدات مثل طويلة وسربا وأرداماتا وكتم ومستري، في حين اكتشفت مقابر جماعية في مناطق مجاورة للجنينة.[7][8][9] وصفت حكومتا المملكة المتحدة والولايات المتحدة وشهود عيان ومراقبون آخرون العنف في الإقليم بأنه يساوي التطهير العرقي أو حتى الإبادة الجماعية، وكان الضحايا الرئيسيون جماعات غير عربية مثل المساليت.[6][10] واتهمت قوات الدعم السريع والجنجويد بأعمال نهب واسعة النطاق، وسرقة غذاء كان مخصصًا لتغذية 4.4 مليون نسمة، وعنف جنسي ضد النساء السودانيات والأجنبيات، وبشكل خاص نساء المساليت والنساء غير العربيات. تقدر منظمات غير حكومية أن الرقم الحقيقي لضحايا العنف الجنسي قد يصل إلى 4400.[11] وقد حثت جهات الأمم المتحدة على البدء بتحقيق وشجعت حكومات على تخصيص موارد لمساعدة الناجين.
اتهمت قوات الدعم السريع والجنجويد أيضًا بأعمال تعذيب وقتل موجه ضد المثقفين والسياسيين والمهنيين وزعماء القبائل. كان من بين الضحايا البارزين آدم زكريا اسحق، أحد الأطباء والمدافعين عن حقوق الانسان، وخميس أبكر حاكم غربي دارفور الذي اختطف وعذّب وأعدم. استهدفت قوات الدعم السريع أيضًا أسر أعدائها، مثل أسرة مصطفى تمبور.[12] واتهمت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بتهديد الصحفيين ومهاجمتهم وقتلهم. ووثقت نقابة الصحفيين السودانيين وقوع أكثر من 40 انتهاكًا في شهر أيار وحده. وأصيب العديد من الصحفيين أو قتلوا، وتوقفت 13 صحيفة عن الصدور. وتعرض عاملو الإغاثة أيضًا للاستهداف وقتل 18 منهم واعتقل آخرون.
بدأت محكمة الجنايات الدولية ومنظمة العفو الدولية تحقيقات في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت خلال الحرب. واتهمت القوات المسلحة السودانية قوات الدعم السريع بارتكاب هذه الجرائم. وأنشأ عبد الفتاح البرهان (قائد القوات المسلحة السودانية) لجنة للتحقيق في هذه الادعاءات. وتقدمت عدة دول بمشروع قرار لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة لإجراء تحقيق في تلك الأعمال الوحشية. صوت مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة لمصلحة تبني قرار بإنشاء لجنة تقصي حقائق حول هذه الجرائم. ودعت منظمة هيومان رايتس ووتش وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان إلى اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين.[13][14]
اندلعت الحرب في السودان في 15 من شهر أبريل من عام 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، الذين كانا فصيلين متنافسين لحكومة السودان العسكرية. حتى شهر ديسمبر، قتل ما بين 9000 و10 آلاف شخص وتعرض 12 ألف شخصًا آخر لإصابات ونزح نحو الداخل 5.6 مليون شخص وبات 1.5 مليون شخص لاجئًا.[15]
في 12 من شهر يونيو، قالت نقابة الأطباء السودانيين أن 959 مدنيًا على الأقل قد قتلوا وأصيب 4750 مدنيًا آخر.[16] في 15 من شهر أغسطس، قالت الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 435 طفلًا قد قتلوا خلال الصراع. وحذر أطباء ميدانيون من أن الأرقام المذكورة لا تشمل جميع الضحايا مع عدم تمكن الناس من الوصول إلى المشافي نظرًا إلى الصعوبات في التنقل. وقد نقل عن ناطق باسم الهلال الأحمر السوداني قوله إن عدد الضحايا «لم يكن صغيرًا». وسجل مدعون عامون سودانيون وقوع حالات مفقودين تزيد عن 500 حالة في أنحاء البلاد، كان بضعها حالات إخفاء قسري، وألقي باللوم معظم الأحيان على قوات الدعم السريع.[17]
وفقًا لإذاعة البي بي سي وصحيفة الجارديان وقناتي سي إن إن وبي بي إس نيوز أور ومنظمة العفو الدولية ارتكبت جرائم حرب واسعة النطاق في السودان من كلا الطرفين.[18][19][20]
من المحتمل أن يكون الطرفان قد ارتكبا جرائم ضد الإنسانية ضد منشآت، حسبما أثبتت قناة بي بي سي نيوز العربية. استهدف القصف الجوي ونيران المدفعية المشافي التي كان المرضى داخلها، واستهدفت الطواقم الطبية بالهجمات، ويشكل كل ذلك جرائم حرب محتملة. أغلقت معظم مشافي الخرطوم بسبب أعمال قتالية دامت أسابيع، الأمر الذي أثر على استفادة المدنيين من نظام الرعاية الصحية. وتؤكد بيانات الأقمار الصناعية، وتحليل محتوى كثيف منتج من قبل المستخدمين وشهادات أطباء الآثار المدمرة على منشآت الرعاية الصحية.[21]
أدانت منظمة الصحة العالمية هذه الهجمات بوصفها انتهاكات للقانون الإنساني الدولي وطالبت بوقفها بصورة فورية. أفضى الصراع إلى هجمات على المشافي كمشفى ابن سينا ومشفى شرقي النيل، وهو ما يوافي معايير جرائم الحرب. حاصر مقاتلو قوات الدعم السريع مشفى شرقي النيل وسرت أقاويل عن إرغامهم للمدنيين على النزوح.
وقعت حالات قصف جوي دون إنذار أسفرت عن خسائر في أرواح المدنيين. وصودرت مشاف عديدة لأغراض عسكرية من قبل المقاتلين المتحاربين، وهو ما أثر على علاج المدنيين. وألقت التهديدات التي تلقاها أطباء من قبل طرفي الصراع، بما في ذلك اتهامات وتهديدات علنية، الضوء على استهداف العاملين في المجال الطبي. ووثقت منظمات طبية دولية، من بينها منظمة أطباء من أجل حقوق الانسان في السودان، هذه الأعمال الوحشية بوصفها جرائم محتملة ضد الإنسانية وجرائم حرب، بهدف تقديم دليل للسلطات القضائية الوطنية أو الدولية للمحاسبة.[22]
مثلًا، في 18 من شهر أبريل، ذكر مراسلون أن مجموعات مسلحة قد دخلت العديد من المشافي في الخرطوم. في 25 من شهر أبريل، وعلى الرغم من وقف إطلاق النار، نقلت أنباء عن إطلاق نيران مدفعية ثقيلة في مدينة أم درمان، حيث تعرض عشرات من الأشخاص لإصابات بعض استهداف المشفى. وفي 13 من شهر مايو، اتهمت القوات المسلحة السودانية قوات الدعم السريع بالهجوم على مشفيين في الخرطوم. في 14 من شهر مايو، ذكر شهود عيان في الجنينة أن الجنجويد دخلوا إلى مشفى وارتكبوا مذبحة بحق 12 من المرضى غير العرب. في 15 من الشهر نفسه، سرت أقاويل عن أن مشفى شرقي النيل في الخرطوم قد تعرض لقصف جوي. وفي 22 من شهر مايو نفسه، سرت أخبار عن قتال وقع في جوار مشفى علياء العسكري في أم درمان وفي جنوب المدينة بالقرب من الحدود مع ولاية النيل الأبيض، على مقربة من مطار صغير.[23]
في 1 من شهر يوليو، اتهمت نقابة الأطباء السودانيين قوات الدعم السريع بالهجوم على مشفى الشهداء وقتل عضو من طاقمه. أنكرت قوات الدعم السريع هذه الاتهامات. وفي 15 من شهر يوليو، قتل 5 أشخاص وأصيب 22 آخرون بجروح في هجوم لطائرة مسيرة على مشفى علياء في أم درمان اتُهمت قوات الدعم السريع بالمسؤولية عنه. في 16 من شهر يوليو، اتهمت قوات الدعم السريع بهجوم لليوم الثاني على التوالي على مشفى العلياء بواسطة طائرات مسيرة. في 20 من شهر يوليو، تعرض فريق أطباء بلا حدود الذي كان يتألف من 18 عضوًا لهجوم فيما كان ينقل إمدادات للمشفى التركي في جنوبي الخرطوم. وفي 1 من شهر أغسطس، بات مشفى الأطباء، الواقع شمالي غرب مطار الخرطوم، خارج الخدمة بشكل جزئي بسبب القصف، واتهمت قوات الدعم السريع القوات المسلحة السودانية باستهداف المشفى عبر ضربات جوية. في 9 من شهر أكتوبر، قتلت القوات المسلحة السودانية 3 أشخاص بعد قصف مشفى النور في أم درمان، وقتلت قوات الدعم السريع 20 شخصًا بعد قصف عيادة ملحقة بجامع في حي الخرطوم البحري في منطقة السامراب.[24]
تركت هذه الهجمات أثرًا كبيرًا على نظام الرعاية الصحية في البلاد، وعطلت الخدمات الطبية، وعرضت عمل بقية المشافي والعيادات في الخرطوم للخطر.[25]