بطائح العراق

البَطِيحة بفتح الباء وكسر الطاء، وتعني لغويًا ماء مستنقع وجمعها بطائح[1] والبطيحة والبطحاء واحد، وتبطح السيل إذا اتسع في الأرض، وبذلك سميت بطائح؛ لأن المياه تبطحت فيها، أي سالت واتسعت في الأرض، وهي أرض واسعة.[2]

بطائح ومستنقعات العراق 1978م

والبطائح في جنوب العراق وهي ماء مستنقع بين واسط والبصرة لا يرى طرفاه من سعته، وكانت قديمًا قرى متصلة وأرضُا عامرة، وصادف في أيام كسرى أبرويز (590- 628م) أنه زاد نهرا دجلة والفرات زيادة كبيرة بخلاف العادة، فعجز عن سد المياه فتبطحت في تلك الديار والعمارات والمزارع.[3]

التسمية

يرجع أصل تسمية البطائح إلى الحضارة السومرية، إذ يرد في لهجة سكان الأهوار كلمة إيشان وجمعها أيشن، وهي سومرية، ويقصد بها التل الذي تحيطه المياه، وقد وُجدت في الكتابات المسمارية لفظة أكامي ومعناها: البطائح حيث يزدهر نمو نباتات القصب والبردي، ووردت كلمة أبراته ومعناها إقليم القصب، وهو الذي يسود منطقة البطيحة، وعثر على بعض الآثرية كبعض الأواني الفخارية، وقد ظهر عليها آثار لعيدان البردي مما يدل على قدم المنطقة في التاريخ.

وقد جاء في وصف البطائح البابلية في لوحة Peuting eriana وذكر فيها كلمة (ديوتاهي) diotahi وهي محرفة عن (بيوتاهي) أي البطائح، وهي التسمية العربية التي أطلقها العرب عليها، ويطلق الأشوريين على تلك المنطقة" نار مرتو" أي: المار المر، وأطلقوا على بعض الأهوار أغمارتيا أي البطيحة الكبرى.[4]

وفي ضوء ما تقدم يتضح مدى التداخل بين أصل كلمة البطيحة والطبيعة الجغرافية لأرض هذه المنطقة، وقد اتفق المقدسي والحميري وقدامة بن جعفر على أنها تقع دون واسط بعشرين فرسخًا جنوب العراق، وسميت ببطائح واسط أو بطائح البصرة؛ نسبة إلى موقعها بين واسط والبصرة، وتحدها ميسان من جهة ونهر دجلة وبغداد من جهة أخرى، لكنهم اختلفوا في تحديد مساحتها؛ لأنه من الصعب تحديد مساحة البطائح تحديدًا دقيقًا، وربما يرجع الاختلاف في تحديد المساحة إلى عدم ثباتها أمام الفيضانات.[5][6][7]

الجغرافيا

أهوار العراق قبل 1958م.

كانت البطائح قرى عامرة تكثر فيها المزارع زمن الأكاسرة، ونتيجة لإهمال هذه المنطقة وعدم عمارة البثوق وطغيان الماء على تلك المواضع، تحولت بمرور الوقت إلى بطائح، وأصبحت تغطيها الأهوار والمستنقعات التي تغذيها مياه النهرين دجلة والفرات ظاهرة طبيعية تصاحب تكوين دلتا الأنهار، فالأنهار وفروعها تملأ عادة المناطق المجاورة لها أكثر مما تملأ المناطق البعيدة عنها، وقد بدّلت الأنهار مجاريها مرات متعددة في العصور القديمة والحديثة، فكونت في المناطق التي جرت فوقها ضفافًا عالية وتركت أراضي واطئة بين مجاريها، وبعض هذه المناطق الواطئة كانت وما تزال تصل إليها مياه الفيضانات مكونة أهوارًا ومستنقعات، وكان العرب يسمون الأهوار البطائح.[8]

تحتوي البطائح على أنهار كثيرة ومستنقعات وآجام، ومن أهم هذه الأنهار

  • نهر (الصلح) الذي يقع فوق واسط، وكان هذا النهر يأخذ مياهه من الضفة الشرقية لنهر دجلة عند مدينة فم الصلح، ويجري نحو الجنوب الشرقي حيث تصب مياهه في البطائح
  • نهر (بردودا) وفوهة هذا النهر فوق واسط، أوله مع القرية التي تسمى الشديدية وهو نهر يصب في البطيحة، وهو من الأنهار التي ورد ذكرها في أخبار حركة الزط
  • نهر (أبان) وهو نهر كبير أوله أسفل واسط ويصب في البطيحة
  • نهر( المبارك) الذي يصب في البطائح وهو نهر قديم، يأخذ من نهر الفرات وهو على بعد تسعة فراسخ من واسط، وقد حفره خالد بن عبدالله القسري
  • نهر (السيب) والذي حفره الحجاج بن يوسف الثقفي وكان يأخذ مياهه من الضفة اليمنى لنهر دجلة ثم يجري نحو الغرب، ثم تصب مياهه البطائح، وهو من الأنهار التي ورد ذكرها في أخبار حركات صاحب الزنج[9]
  • نهرا (الصلة) و(برقة) وقد كان خراجهما سبعين ألف درهم
  • نهر (أبو الأسد)، حيث قام أبو الأسد - أحد قادة الخليفة المنصور وكان ممن وجه إلى البصرة أيام مقام عبدالله بن علي العباس - بتوسعته عندما لم تدخله السفن لضيقه فنسب إليه
  • نهر الزط وهو من الأنهار القديمة بالبطائح.[10]

السكان

التعليم لدى سكان أهوار العراق 1978م

استوطنت البطائح أعداد كبيرة من الناس بغرض الزراعة، وذلك دون أن يكون لهذه الأسر في أول الأمر أي اتصال بالمستوطنات الأخرى[11]

  1. ابتداءً فقد ذُكر في المصادر سكان البطائح وعدتهم نبطًا، والنبط في اللغة لها دلالات كثيرة إلا أن أغلبها نشير إلى الزراعة، فقيل: الأنباط جيل ينزلون بالبطائح بين العراقيين وإنما سموا نبطًا؛ لاستنباطهم ما يخرج من الأرض[12] وقد أطلق النبط في العراق على الفلاحين الذين وجدهم العرب على الأرض عند الفتح، والذين لم يعلموا في الرعي أو القتال[13] والنبط هم الذين استنبطوا الأرض وعمّروا السواد وحفروا الأنهار العظام فيه[14] كانت العلاقات بين العرب والنبط مبكرة ودائمة فقد اُستخدم النبط في الأعمال الزراعية بسبب خبرتهم الطويلة، واستخدموا في الجباية حتى قيل: نبطيٌ في جبايته[15]
  2. سكن العرب البطائح منذ أيام الامبراطورية الأشورية، وهناك إشارات لهجرة بعض القبائل العربية نحو العراق زمن ملوك الطوائف (وهم ملوك الجبال من بلاد الدينور ونهاوند وهمذان وماسبدان وأذربيجان، واستمر ملوك الطوائف خمسمائة وسبع عشرة سنة، وقد حكمت ملوك الطوائف بين الفرس الأولى الأخمينية والفرس الثانية وهم الساسانية) حيث نزل قسم منهم الحيرة والأنبار، كما أن أغلب السكان في القرى والأرياف ينطقون إما باللغة العربية أو بلهجات قريبة من اللغة العربية، أما أهم القبائل العربية التي انتشرت من قبائل بني أسد وبكر بن وائل والأزد ؛ إذ خرجت هذه القبائل أيام ملوك الطوائف، ووجدت أن أرض العراق خالية من الملوك فآثرت الاستقرار فيها، ثم استمرت القبائل العربية في التزايد حتى انتصرت في يوم ذي قار ما بين (604- 610م) فكانت هذه المعركة نقطة الانطلاق للقبائل العربية في الهجوم على السهول، وظلت غارتها مستمرة حتى فتح العراق، وقد أصبح لقبيلة بكر بن وائل نفوذًا كبيرًا، واضطر الفرس إلى استرضائها أيام كسرى أبرويز (590- 628م)، وسمحوا لها بالانتشار إلى مناطق أخرى، ومنها منطقة البطائح إذ شكلت قوة كبيرة، وأصبح أبناؤها هم أمراء البطائح في العراق[16]
  3. إلى جانب العرب سكن الفرس البطائح، وبعد الفتح الإسلامي عرض المسلمون عليهم إحدى الثلاثة (الإسلام أو الجزية أو الحرب)، فاختار الجميع الجزية وقد صالحهم المسلمون على مقدار معين من الدراهم في كل سنة، فبقي الفرس في أراضيهم ثم انتشروا في أرجاء البطائح[17]
  4. ومن سكان البطائح الزط (Jat) وهم قوم من الهند وبالتحديد من بلاد السند، جاءوا إلى هذه المنطقة بطرق عديدة وفي أوقات مختلفة وفي عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك ( 86- 96هـ/ 705- 714م) أتى الحجاج بن يوسف الثقفي بمجموعة من زطّ السند، وأصنافٍ ممن بها من الأمم، وكان معهم أهلوهم وأولادهم وجواميسهم وأسكنهم في كسكر، وقد غلبوا على البطيحة وتناسلوا فيها.
  5. ومن الأقوام التي سكنت البطائح الزنج، وقد أطلقت لفظة (الزنج) على أصناف مختلفة من العبيد السود، الذين جلبوا من سواحل إفريقيا الشرقية إلى جنوبي العراق لكسح السباخ وأعمال الزراعة[18]

الاقتصاد

بيوت من القصب قيد الإنشاء 1978م
جواميس سكان البطائح في العراق
بيوت القصب في أهوار العراق 1978

أفاد موقع البطائح في الاستفادة من سواحل الهور وجزره وأحراشه المنتشرة لسكانهم وإعاشة ماشيتهم، فكانت الأدغال في المستنقعات والجزر ونباتات القصب الطري، المواد التي تكون الغذاء لماشيتهم وكانت سيقات القصب هي مادة البناء لمساكنهم خاصة في بطائح واسط والبصرة، وقد كان القصب يمر بمراحل متعددة حتى نضوجه؛ إذ أن المدة بين خروج الجيل الجديد والسيقان إلى أن تصبح الساق كاملة نحو ثمانية أشهر، فيبدأ بظهور نباتاته الخضراء وهي تشبه العشب ويكون في هذه المرحلة علفًا جيدًا للحيوانات ولا سيما الجواميس.[19][20]

إضافة إلى القصب عُرف عن البطائح إنتاج الأرز، وقد كان أهل البطائح يصنعون خبزهم من دقيق الأرز الذي عرفوه مع فتح العراق، وكان إنتاج البطائح على أطراف نهري الصلة وبرقة، ومن كورة كسكر الشعير والأرز والورق.

وقد اشتهرت البطائح بأسماكها فهي غذاؤهم الرئيس، وهي خزانة أهل البصرة لكثرته في البطائح، ولممارسة سكان هذه المنطقة مهنة صيد الأسماك، والسمك فيها طري ومالح، وقد كانت بحيرات السمك تؤجر للأفراد في البطائح أيام الخليفة عمر بن عبدالعزيز (99- 101هـ/717- 719م)[21]

مدن البطائح

لأن البطائح عامرة بالسكان فهي عامرة بالقرى والمدن أيضًا، ومن أشهر مدنها

  • الصليق، وهي من أكبر مدن البطائح وتقع على بحيرة طولها أربعون فرسخًا، وقد وُصِفت أحوالها بأنها "مدينة شديدة الحر، أدامهم السمك وماؤهم حميم وليلهم عذيب، وعقلهم سخيف ولسانهم قبيح، إلا أنها معدن الدقيق وسلطان رفيق وماء غزير "
  • مدينة الطيب التي وصفت بأنها من أهم بطائح واسط وأكثرها عمرانًا، من المدن التي أقيمت على أرض هذه المدينة،[22]
  • مدينة الجامدة وتلي مدينة الصليق في الكبر، وهي من المواقع التي استخرجها حسان النبطي في البطائح [23]
  • الصينية وهي بليدة تحت واسط، وقد تحصن فيها الزنج، وكانت من أهم مراكزهم الرئيسة
  • طهيثا وهي قريبة من الأهوار وتقع على إحدى الشعب الثلاث التي يتفرع إليها دجلة عند القطر
  • مدينة باذورد وتتمثل في نهاية البطيحة، وهي مدينة كبيرة تقع آخر البطائح قرب واسط بينها وبين البصرة، وقد خربت ويسمون دجلة البصرة العظمى باذورد تسمية بهذا الموضع[24][25][26]

الإمارة الشاهينية في البطائح

كان معين الدولة الأمير عِمْرَانُ بْنِ شَاهِينْ أوَّلَ مَنْ مَلَكَ البَطائِحِ من حوالي 330 إلى 369هـ / 941 ـ 979 م.[27] وأصلُه من الجَامِدة (مِنْ أَعْمالِ واسِطَسوَادِيُّ المَنْشَأِ، من بني الحَكَم الخُزاعيون العلقميون من الحِرابي المحاربيين الذكوانيين، يَنْتَسِبُ إلى بَنِي سُلَيْمٍ القبيلة الفَنَّاءٌ.[28] لُقِب سنة 364هـ بمعين الدولة.[29]

مصادر

انظر أيضا

وصلات خارجية